ومعلم صبية ، اتفق أن انتظمهم سلك طريق ، وقد كان حمل [كل](١) منهم مركب الجد ، فما أورثهم انتقاب المحجة بالإظلام ، سوى الإغراء أن يلطموا بأيدي الرواقص خدودها ، وما استطاع الظلام أن لا يطئوا المسافة ، وقد نشر جناحه ، وأن يلقوا عصاهم وقد مد لهم رواقه ، فقابلهم بعبوس افتر عن مزيد تخبطهم ، وخوف ضلالهم ، فبينا هم في وحشة الظلماء ، وقد بلغ السيل الزبى (٢) ، ومقاساة محنتي التخبط وخوف الضلال ، وقد جاوز الحزام الطّبيين (٣) ، آنسهم البدر الطالع بوجهه الكريم ، وأضاءت لهم أنواره كل مظلم بهيم ، فلم يتمالكوا أن أقبل عليه كل منهم ينظم ثناءه ، ويمدح سناه وثناءه ، ويخدمه بأكرم نتائج خاطره ، وإذا شبهه شبهه بأفضل ما في خزانة صوره ، فما يشبهه السلاحي : إلّا بالترس المذهب يرفع عند الملك ، ولا يشبهه الصائغ إلا بالسبيكة من الإبريز تفترّ عن وجهها البوتقة ، ولا يشبهه البقار إلا بالجبن الأبيض يخرج من قالبه طريّا ، ولا يشبهه المعلم إلا برغيف أحمر يصل إليه من بيت ذي مروءة. أو التفاوت في الإيراد لوصف الكلام ، فيما يحكيه الأصحاب عن الأذكياء من ذوي الحرف المختلفة ، كوصف الجوهري للكلام :
وصف الكلام :
أحسن الكلام ما ثقبته الفكرة ، ونظمته الفطنة ، وفصل جوهر معانيه في سمط ألفاظه ، فحملته نحور الرواة.
ووصف الصيرفي : خير الكلام ما نقدته يد البصيرة ، وجلته عين الروية ، ووزنته معيار الفصاحة ، فلا ينطق فيه بزائف ، ولا يسمع فيه ببهرج (٤).
__________________
(١) من (غ) وفي (ط ، د): (كلا).
(٢) الزّبى : جمع زبية وهى الرابية التي لا يعلوها الماء. والمثل في اللسان (زبى).
(٣) الطّبيين : مثنى طبى والطّبى : حلمات الضرع التى فيها اللبن من الخف والظلف والحافر والسباع. وفي حديث عثمان : بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين. اللسان (طبى).
(٤) بهرج : البهرج الباطل والردىء من الشىء.