ووصف الصائغ : خير الكلام ما أحميته بكير الفكر ، وسبكته بمشاعل النظر ، وخلصته من خبث الإطناب ، فبرز بروز الإبريز ، مركبا في معنى وجيز.
ووصف الحداد : أحسن الكلام ما نصبت عليه منفاخ الروية ، وأشعلت فيه نار البصيرة ، ثم أخرجته من فحم الإفحام ، ورققته بفطيس الأفهام.
ووصف الخمار : أحسن الكلام ما طبخته مراجل العلم ، وضمته دنان الحكمة ، وصفّاه راووق الفهم ، فتمشت في المفاصل عذوبته ، وفي الأفكار رقته ، وسرت في تجاويف العقل سورته ، وحدته.
ووصف البزاز : أحسن الكلام ما صدق رقم ألفاظه ، وحسن رسم معانيه ، فلم يستعجم عند نشر ، ولم يستبهم عند طي.
ووصف الكحال : أصح الكلام ما سحقته في منجار الذكاء ، ونخلته بحرير التمييز ، وكما أن الرمد قذى العين ، كذا الشبهة قذى البصائر ، فأكحل عين اللكنة بميل البلاغة ، وأجل رمض الغفلة ببرود اليقظة.
وصف الطريق :
أو سلوك الطريق في وصف البليغ حين سلكه الجمال قائلا : البليغ من أخذ بخطام كلامه ، وأناخه في مبرك المعنى ، ثم جعل الاختصار له عقالا ، والإيجاز له مجالا ، فلم يندّ عن الأذهان ، ولم يشذ عن الآذان.
حال وراق :
أو إخبار الوراق عن حاله على ما أخبر : عيشي أضيق من محبرة ، وجسمي أدق من مسطرة ، وجاهي أرق من الزجاج ، وحظي أخفى من شق القلم ، وبدني أضعف من قصبة ، وطعامي أمر من العفص (١) ، وشرابي أشد سوادا من الحبر ، وسوء الحال بي ألزم من الصمغ.
__________________
(١) العفص : طعام عفص أي بشع.