الوصل :
واعلم أن الوصل من محسناته أن تكون الجملتان متناسبتين ، ككونهما : اسميتين أو فعليتين ، وما شاكل ذلك. فإذا كان المراد من الإخبار مجرد نسبة الخبر إلى المخبر عنه ، من غير التعرض لقيد زائد ؛ كالتجدد والثبوت وغير ذلك ؛ لزم أن تراعي ذلك. فتقول : قام زيد ، وقعد عمرو أو : زيد قائم ، وعمرو قاعد ، وكذا : زيد قام ، وعمرو قعد ؛ وأن لا تقول : قام زيد ، وعمرو قاعد ، وكذا : قام زيد وعمرو قعد ، وزيدا لقيته وعمرو مررت به ، وزيدا أكرمت أباه ، وعمرو ضربت غلامه ، كما سبق في علم النحو أمثال ذلك.
أما إذا أريد التجدد في إحداهما ، والثبوت في الأخرى ، كما إذا كان زيد وعمرو قاعدين ، ثم قام زيد دون عمرو ، وجب أن تقول : قام زيد ، وعمرو قاعد بعد ، وعليه قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ)(١) المعنى : سواء عليكم أحدثتم الدعوة لهم أم استمر عليكم صمتكم عن دعائهم ؛ لأنهم كانوا إذا حزبهم أمر دعوا الله دون أصنامهم ، كقوله : (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ)(٢) الآية. فكانت حالهم المستمرة أن يكونوا عن دعوتهم صامتين ، وكذلك قوله تعالى : (أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ)(٣) المعنى أجددت وأحدثت عندنا تعاطي الحق فيما نسمعه منك؟ أم اللعب ؛ أي أحوال الصبا بعد على استمرارها عليك ، استبعادا منهم أن تكون عبادة الأصنام من الضلال ، وما أعظم كيد الشيطان للمقلدين ، حيث استدرجهم إلى أن قلدوا الآباء في عبادة تماثيل ، وتعفير جباههم لها ؛ اعتقادا منهم في ذلك أنهم على شيء ، اللهم إنا نعوذ بك من كيد الشيطان.
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ١٩٣.
(٢) سورة الروم الآية ٣٣.
(٣) سورة الأنبياء الآية ٥٥.