والتوصل به إلى تصدير أولى الزهراوين (١) بذكر أولياء الله ، وقوله : (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ)(٢) أظهر من أن يخفى حاله في الوجازة ؛ نظرا إلى ما ناب عنه ، وكذا قوله : (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)(٣) وانظر إلى الفاء التي تسمى فاء فصيحة في قوله تعالى (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ)(٤) كيف أفادت فامتثلتم ، فتاب عليكم ، وفي قوله : (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ)(٥) مفيدة : فضرب فانفجرت ، وتأمل قوله : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى)(٦) أليس يفيد : فضربوه ، فحيي فقلنا : (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) ، وقدر صاحب الكشاف ، رحمهالله قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ)(٧) نظرا إلى الواو في (وقالا) (ولقد آتينا داود وسليمان علما) فعملا به ، وعلماه ، وعرفا حق النعمة فيه ، والفضيلة ، (وقالا الحمد لله) ، ويحتمل عندي أنه أخبر ، تعالى ، عما صنع بهما ، وأخبر عما قالا ، كأنه قال : نحن فعلنا إيتاء العلم ، وهما فعلا الحمد ، تفويضا ، استفادت ترتب الحمد على إيتاء العلم إلى فهم السامع ، مثله في : قم يدعوك ، بدل : قم ، فإنه يدعوك ، وأنه فن من البلاغة لطيف المسلك.
الاختصار :
ومن أمثلة الاختصار قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً)(٨) بطيّ : أبحت لكم الغنائم ؛ لدلالة فاء التسبيب في" فكلوا" وقوله : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ
__________________
(١) الزهراوان : البقرة وآل عمران.
(٢) سورة طه الآية ٧٨.
(٣) سورة فاطر ، الآية : ١٤.
(٤) سورة البقرة الآية ٥٤.
(٥) سورة البقرة الآية ٦٠.
(٦) سورة البقرة الآية ٧٣.
(٧) سورة النمل الآية ١٥.
(٨) سورة الأنفال ، الآية : ٦٩.