وقد أطلعناك على كيفية التعرض بجهات الحسن ، ففتش عنها ، تر الباب مشحونا بجهات ، وكنت المرجوع إليه في اختيار المختار من أقوال النحويين في الباب ، كقول من يرى المخصوص مبتدأ ، والفعل مع الذي يليه خبرا مقدما ، وقول من يرى المخصوص خبرا لمبتدأ محذوف على ما رأيت ، وقول من لا يرى اللام في الفاعل إلا للجنس ، وقول من لا يأبى كونها لتعريف العهد.
التمييز :
واعلم أن باب التمييز كله ، سواء كان عن مفرد أو عن جملة ، باب مزال عن أصله لتوخي الإجمال والتفصيل : ألا تراك تجد الأمثلة الواردة من نحو : عندي منوان سمنا ، وعشرون درهما ، وملء الإناء عسلا ، وطاب زيد نفسا ، وطار عمرو فرحا ، وامتلأ الإناء ماء ، منادية على أن الأصل : عندي سمن منوان ، ودراهم عشرون ، وعسل ملء الإناء ، وطاب نفس زيد ، وطير الفرح عمرا ، وملأ الماء الإناء ولمصادفة الإجمال والتفصيل الموقع فيما يحكيه ، جل وعلا ، عن زكريا ، عليه الصلاة والسّلام ، من قوله (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(١) في مقام المباثة ، وحين التلقي لتوابع انقراض الشباب ، ترى ما ترى من مزيد الحسن ، وفي هذه الجملة وفيما قبلها من : (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) لطائف ، وأية كلمة في القرآن ، فضلا عن جملة ، فضلا عما تجاوز ، لا يحتوي على لطائف؟ ولأمر ما تلي على من كانوا النهاية في فصاحة البشر ، وبلاغة أهل الوبر ، منهم والمدر : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)(٢) فما أحاروا بنت شفه ، ولا صدروا هنالك عن موصوف ولا صفة ، على أنهم كانوا الحراص على التسابق في رهان المفاخر ، والمتهالكين على ركوب الشطط في امتهان المفاخر ، تأبى لهم العصبية أن لا يرد عضب (٣) مفاخرهم كهاما (٤) ، وأن لا يعد صيب
__________________
(١) سورة مريم الآية ٤.
(٢) سورة البقرة الآية ٢٣.
(٣) العضب : السيف القاطع.
(٤) كهاما : سيف كهيم وكهام : لا يقطع كليل عن الضربة.