يضرب زيد عمرا يوم الجمعة في السوق ، تقدير ما يضرب زيد عمرا يوم الجمعة إلا في السوق. وكذلك إذا قلت : إنما زيد يضرب ، فقدره تقدير : ما زيد إلا يضرب ، ولا تجوز معه من التقديم والتأخير ما جوزته مع ما وإلا ، ولا تقسه في ذلك عليه ، فذاك أصل في باب القصر ، وهذا كالفرع عليه.
والتقديم والتأخير هناك غير ملبس ، وههنا مؤد إلى الإلباس ، وكذلك قدر : إنما هذا لك ، تقدير : ما هذا إلا لك ، وإنما لك هذا ، تقدير : مالك إلا هذا ، حتى إذا أردت الجمع بين : (إنما) وطريق العطف ؛ فقل : إنما هذا لك لا لغيرك ، و: إنما لك هذا لا ذاك ، وإنما يأخذ زيد لا عمرو ، و: إنما زيد يأخذ لا يعطي ، ومن هذا يعثر على الفرق بين : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(١) وبين : إنما يخشى العلماء من عباده الله ، بتقديم المرفوع على المنصوب ، فالأول يقتضي انحصار خشية الله على العلماء ، والثاني يقتضي انحصار خشية العلماء على الله.
حكم غير :
واعلم أن حكم : (غير) ، حكم (إلا) في إفادة القصرين ، وامتناع مجامعة لا العاطفة ، تقول : ما جاءني غير زيد ، إما إفرادا ، لمن يقول : جاء زيد مع جاء آخر ، وإما قلبا لمن يقول : ما جاء زيد ، وإنما جاء مكانه إنسان آخر ، ولا تقول : ما جاءني غير زيد لا عمرو.
__________________
(١) سورة فاطر الآية ٢٨.