الباب الرابع
في النهي
للنهي حرف واحد وهو (لا) الجازم في قولك : لا تفعل ؛ والنهي محذو به حذو الأمر في أن أصل استعمال : لا تفعل ، أن يكون على سبيل الاستعلاء بالشرط المذكور ، فإن صادف ذلك ، أفاد الوجوب ، وإلا أفاد طلب الترك فحسب ، ثم إن استعمل على سبيل التضرع ، كقول المبتهل إلى الله : لا تكلني إلى نفسي ، سمي دعاء ، وإن استعمل في حق المساوي الرتبة لا على سبيل الاستعلاء ، سمي : التماسا ، وإن استعمل في حق المستأذن ، سمي : إباحة ، وإن استعمل في مقام تسخط الترك ، سمي : تهديدا.
والأمر والنهي حقهما الفور ، والتراخي يوقف على قرائن الأحوال ؛ لكونهما للطلب ، ولكون الطلب في استدعاء تعجيل المطلوب أظهر منه في عدم الاستدعاء له عند الإنصاف ، والنظر إلى حال المطلوب بأخويهما وهما : الاستفهام والنداء منبه على ذلك صالح ، ومما ينبه على ذلك تبادر الفهم ، إذا أمر المولى عبده بالقيام ، ثم أمره قبل أن يقوم ، بأن يضطجع وينام حتى المساء إلى أن المولى غير الأمر ، دون تقدير الجمع بينهما في الأمر ، وإرادة التراخي للقيام ، وكذا استحسان العقلاء عند أمر المولى عبده بالقيام أو القعود ، أو عند نهيه إياه ، إذا لم يتبادر إلى ذلك ذمه.
وأما الكلام في أن الأمر أصل في المرة أم في الاستمرار ، وأن النهي أصل في الاستمرار أم في المرة ، كما هو مذهب البعض ، فالوجه هو أن ينظر ، إن كان الطلب بهما راجعا إلى قطع الواقع ، كقولك في الأمر للساكن : تحرك ، وفي النهي للمتحرك : لا تتحرك ، فالأشبه المرة ، وإن كان الطلب بهما راجعا إلى اتصال الواقع ، كقولك في الأمر للمتحرك : تحرك ، ولا تظنن هذا طلبا للحاصل ، فإن الطلب حال وقوعه يتوجه إلى الاستقبال ، كما نبهت عليه في صدر القانون ، ولا وجود في الاستقبال قبل صيرورته حالا ، وقولك في النهي للمتحرك : لا تسكن ، فالأشبه الاستمرار.
واعلم أن هذه الأبواب الأربعة : التمني والاستفهام والأمر والنهي تشترك في الإعانة على تقدير الشرط بعدها ، كقولك في التمني : ليت لي مالا أنفقه ، على معنى : إن أرزقه أنفقه ، وقولك في الاستفهام : أين بيتك أزرك؟ على معنى أن تعرفنيه ، أو إن أعرفه