مساويا للملزوم أو أخص منه ؛ فلا عتب في تأخير الكناية لكونها ، بالنظر إلى هذه الجهة ، نازلة من المجاز منزلة المركب من المفرد ، ثم إن المجاز ، أعني الاستعارة ، من حيث إنها من فروع التشبيه ، كما ستقف عليه ، لا تتحقق بمجرد حصول الانتقال من الملزوم إلى اللازم ، بل لا بد فيها من تقدمة تشبيه شيء بذلك الملزوم في لازم له ، تستدعي تقديم التعرض للتشبيه ، فلا بد من أن نأخذه أصلا ثالثا ، ونقدمه ، فهو الذي إذا مهرت فيه ، ملكت زمام التدرب في فنون السحر البياني.
الأصل الأول
من علم البيان في الكلام في التشبيه
لا يخفى عليك أن التشبيه مستدع طريقين ، مشبها ومشبها به.
واشتراكا بينهما من وجه ، وافتراقا من آخر ، مثل أن يشتركا في الحقيقة ، ويختلفا في الصفة ، أو بالعكس ، فالأول : كالإنسانين : إذا اختلفا صفة : طولا وقصرا.
والثاني : كالطويلين ، إذا اختلفا حقيقة : إنسانا وفرسا ، وإلا فأنت خبير بأن ارتفاع الاختلاف من جميع الوجوه ، حتى التعين يأبى التعدد ، فيبطل التشبيه ؛ لأن تشبيه الشيء لا يكون إلا وصفا له بمشاركته المشبه به في أمر ، والشيء لا يتصف بنفسه ، كما أن عدم الاشتراك بين الشيئين في وجه من الوجوه يمنعك محاولة التشبيه بينهما ، لرجوعه إلى طلب الوصف حيث لا وصف ، وأن التشبيه لا يصار إليه إلّا لغرض ، وأن حاله تتفاوت بين القرب والبعد ، وبين القبول والرد ؛ هذا القدر المجمل لا يحوج إلى دقيق نظر ، إنما المحوج هو تفصيل الكلام في مضمونه ، وهو طرفا التشبيه ، ووجه التشبيه ، والغرض في التشبيه وأحوال التشبيه ، ككونه : قريبا أو غريبا ، مقبولا أو مردودا ، فظهر من هذا أن لا بد من النظر في هذه المطالب الأربعة ، فلننوعه أربعة أنواع :
طرفا التشبيه :
النوع الأول : النظر في طرفي التشبيه : المشبه والمشبه به ، إما أن يكونا مستندين إلى الحس : كالخد عند التشبيه بالورود ، في المبصرات ، وكالأطيط عند التشبيه بصوت الفراريج في المسموعات ، وكالنكهة عند التشبيه بالعنبر في المشمومات ، وكالريق عند