القلب روحا ، فشأن النفس مع الألفاظ الموصوفة بتلك الصفات ، كشأنها مع العسل الشهي الذي يلذ طعمه ، فتهش النفس له ، ويميل الطبع إليه ، ويحب وروده عليه ، أو كشأنها مع الماء الذي ينساغ في الحلق ، وينحدر فيه أجلب انحدار للراحة ، ومع النسيم الذي يسري في البدن ، فيتخلل المسالك اللطيفة منه ، فيفيدان النفس نشاطا ، ويهديان إلى الصدر انشراحا ، وإلى القلب روحا.
ولازم الظهور وهو إزالة الحجاب ، فشأن البصيرة مع الشبهة كشأن البصر مع الظلمة ، في كونهما معهما كالمحجوبين ، وانقلاب حالهما إلى خلاف ذلك ، مع الحجة إذا بهرت ، والشمس إذا ظهرت ، وتسامحهم هذا لا يقع إلا حيث يكون التشبيه في وصف اعتباري كالذي نحن فيه ، وأقول : يشبه أن يكون تركهم التحقيق في وجه التشبيه ، على ما سبق التنبيه عليه من تسامحهم هذا ، وقد جاريناهم نحن في ذلك كما ترى.
حق وجه التشبيه شمول الطرفين :
واعلم أن حق وجه التشبيه شموله الطرفين ، فإذا صادفه صح وإلا فسد ، كما إذا جعلت وجه التشبيه في قولهم : النحو في الكلام كالملح في الطعام ، الصلاح باستعمالهما والفساد بإهمالهما ؛ صح لشمول هذا المعنى المشبه والمشبه به ، فالملح إن استعمل في الطعام صلح الطعام وإلا فسد والنحو كذلك : إذا استعمل في الكلام ، نحو : عرف زيد عمرا ، برفع الفاعل ونصب المفعول صلح الكلام ، وصار منتفعا به في تفهم المراد منه ، وإذا لم يستعمل فيه : فلم يرفع الفاعل ولم ينصب المفعول فسد ، لخروجه عن الانتفاع به.
وإذا جعلت وجه التشبيه ، ما قد يذهب إليه ذوو التعنت من أن : الكثير من الملح يفسد الطعام والقليل يصلحه ، فالنحو كذلك ، فسد لخروجه إذ ذاك عن شمول الطرفين إلى الاختصاص بالمشبه به ، فإن التقليل أو التكثير إنما يتصور في الملح بأن يجعل القدر المصلح منه للطعام مضاعفا مثلا ، أما في النحو فلا ؛ لامتناع جعل رفع الفاعل أو نصب المفعول مضاعفا. هذا ، وربما أمكن تصحيح قول المتعنتين ، ولكنه ليس مما يهمنا الآن.