أحوال التشبيه
تقديم
النوع الرابع : النظر في أحوال التشبيه من كونه قريبا أو غريبا ، مقبولا أو مردودا.
والكلام في ذلك يستدعي تقديم أصول ؛ وأنا أذكر لك ما يرشدك إلى كيفية سلوك الطريق هناك ، بتوفيق الله تعالى ، معددا عدة منها لتكون لك عدة في درك ما عسى تأخذ في طلبه.
منها : أن إدراك الشيء مجملا أسهل من إدراكه مفصلا.
ومنها : أن حضور صورة شيء تتكرر على الحس أقرب من حضور صورة شيء يقل وروده على الحس ، وحال هذين الأصلين واضح.
ومنها : أن الشيء مع ما يناسبه أقرب حضورا منه مع ما لا يناسبه ، فالحمام مع السطل أقرب حضورا منه مع السخل ، وقد سبق تقريره في باب الفصل والوصل.
ومنها : أن استحضار الأمر الواحد أيسر من استحضار غير الواحد ، وحاله أيضا مكشوف.
ومنها : أن ميل النفس إلى الحسيات أتم منه إلى العقليات ، وأعني بالحسيات ما تجرده منها بناء على امتناع النفس من إدراك الجزئيات ، على ما نبهت عليه ، وزيادة ميلها إليها دون غيرها من العقليات ، لزيادة تعلقها بها بسبب تجريدها إياها بقوة العقل ، ونظمها لها في سلك ما عداها ، ولزيادة إلفها بها أيضا لكثرة تأديها إليها من أجل كثرة طرقه وهي الحواس المختلفة المؤدية لها ، وأمّا ما يقال من أن إلف النفس مع الحسيات أتم منه مع العقليات ، لتقدم إدراك الحس على إدراك العقل ، فبعد تقرير أن إدراك النفس إنما يكون للمجردات ، وأن مدرك النفس غير مدرك الحس ، شيء كما ترى عن إفادة المطلوب بمعزل ، وعن تحقيق المقصود بألف منزل.