لغويا لبناء دعوى المستعار موضوعا للمستعار له على ضرب من التأويل ، كما ستحيط بجميع ذلك علما في موضعه ، إن شاء الله تعالى.
ولك أن تقول الحقيقة : هي الكلمة المستعملة فيما تدل عليه بنفسها دلالة ظاهرة ، كاستعمال خ خ الأسد في الهيكل المخصوص ، أو خ خ القرء في أن لا يتجاوز الطهر والحيض غير مجموع بينهما ، فهذا ما يدل عليه بنفسه ما دام منتسبا إلى الوضعين ، أما إذا خصصته بواحد ، إما صريحا مثل أن تقول : خ خ القرء بمعنى الطهر ، وإما استلزاما مثل أن تقول : خ خ القرء لا بمعنى الحيض ، فإنه حينئذ ينتصب دليلا دالا بنفسه على الطهر بالتعيين ، كما كان الواضع عينه بإزائه بنفسه ، وأنه لمظنة فضل تأمل منك ، فاحتط ؛ وقولي : خ خ دلالة ظاهرة ، احتراز عن الاستعارة ، وستعرف وجه الاحتراز في باب الاستعارة.
ولك أن تقول : الحقيقة هي الكلمة المستعملة في معناها بالتحقيق ، والحقيقة تنقسم عند العلماء إلى : لغوية وشرعية وعرفية. والسبب في انقسامها هذا ، هو ما عرفت ، أن اللفظة تمتنع أن تدل على مسمى من غير وضع ، فمتى رأيتها دالة لم تشك في أن لها وضعا ، وأن لوضعها صاحبا. فالحقيقة لدلالتها على المعنى تستدعي صاحب وضع قطعا ، فمتى تعين عندك ، نسبت الحقيقة إليه ، فقلت : لغوية ، إن كان صاحب وضعها واضع اللغة. وقلت : شرعية إن كان صاحب وضعها الشارع ، ومتى لم يتعين ، قلت : عرفية. وهذا المأخذ يعرفك أن انقسام الحقيقة إلى أكثر مما هي منقسمة إليه غير ممتنع في نفس الأمر.
ما هو المجاز :
وأما المجاز فهو الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق ، استعمالا في الغير ، بالنسبة إلى نوع حقيقتها ، مع قرينة مانعة عن إرادة معناها في ذلك النوع ، وقولي : بالتحقيق احتراز أن لا تخرج الاستعارة ، التي هي من باب المجاز ، نظرا إلى دعوى استعمالها فيما هي موضوعة له ، وقولي : استعمالا في الغير بالنسبة إلى نوع حقيقتها ، احتراز عما إذا اتفق ، كونها مستعملة فيما تكون موضوعة له ، لا بالنسبة إلى نوع حقيقتها ، كما إذا استعمل صاحب اللغة لفظ : خ خ الغائط ، مجازا فيما يفضل عن