الفصل الثاني
المجاز اللغوي الراجع إلى المعنى المفيد الخالي عن المبالغة في التشبيه
هو أن تعدي الكلمة عن مفهومها الأصلي بمعونة القرينة إلى غيره لملاحظة بينهما. ونوع تعلق ، نحو : أن تراد النعمة باليد ، وهي موضوعة للجارحة المخصوصة لتعلق النعمة بها ، من حيث إنها تصدر عن اليد ، ومنها تصل إلى المقصود بها ، وكذا إذا أردت القوة أو القدرة بها ، لأن القدرة أكثر ما يظهر سلطانها في اليد ، وبها يكون البطش ، والضرب والقطع ، والأخذ والدفع ، والوضع والرفع ، وغير ذلك من الأفاعيل التي تخبر فضل أخبار عن وجود القدرة ، وتنبىء عن مكانها أتم إنباء ، ولذلك تجدهم لا يريدون باليد شيئا لا ملابسة بينه وبين هذه الجارحة ، ونحو أن تراد المزادة بالرواية ، وهي في الأصل اسم للبعير الذي يحملها ، للعلاقة الحاصلة بينها وبينه بسبب حمله إياها ، أو أن يراد البعير بالحفض ، وهو متاع البيت ، بنحو من الجهة المذكورة ، ونحو أن يراد الرّجل بالعين إذا كان ربيئة من حيث أن العين لما كانت المقصودة في كون الرجل ربيئة ، صارت كأنها الشخص كله ؛ ونحو أن يراد النبت بالغيث ، كما يقولون : رعينا غيثا ، لكون الغيث سببا ؛ ونحو أن يراد الغيث بالسماء ، لكونه من جهتها ، يقولون : أصابتنا السماء ، أي الغيث ؛ ونحو أن يراد الغيث بالنبات ، كقولك : أمطرت السماء نباتا ، لكون الغيث سببا فيه أو بالسنام كقول من قال (١) :
أسنمة الآبال في سحابه
ومن هذا تعرف وجه تفسير من فسر إنزال أزواج الأنعام في قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ)(٢) بإنزال الماء ، لا سيما إذا نظر إلى ما ورد ، من أن كل ماء في الأرض فهو من السماء ، ينزله جل وعلا منها إلى الصخرة ، ثم يقسمه ؛ وقيل :
__________________
(١) أورده القزوينى في الإيضاح (٤٠١) بلا عزو وذكر صدر البيت :
أقبل في المسنّن من ربابة
، والطيبى في التبيان (١ / ٢٩٣) بتحقيقى.
(٢) سورة الزمر الآية ٦.