الاشتقاق (١) :
وإذا تمهد هذا فنقول : الطريق إلى ذلك هو أن تبتدئ فيما يحتمل التنويع من حيث انتهى الواضع في تنويعه ، وهي الأوضاع الجزئية ، فترجع منها القهقرى في التجنيس وهو التعميم إلى حيث ابتدأ منه ؛ وهو وضعه الكلي لتلك الجزئية ، كنحو أن تبتدئ من مثل لفظ المتباين ، وهو موضع التباين ، فترده إلى معنى أعم في لفظ التباين وهو المباينة من الجانبين ، ثم ترد التباين إلى أعم : وهو المباينة من جانب في لفظ باين ، ثم ترده إلى أعم : وهو حصول البينونة في لفظ بان ، ثم ترده إلى أعم وهو مجرد البين ، وهذا هو الذي يعنيه أصحابنا في هذا النوع بالاشتقاق.
ثم إذا اقتصرت في التجنيس على ما تحتمله حروف كل طائفة بنظم مخصوص ، كمطلق معنى البينونة فيما ضربنا من المثال للباء ثم الياء ثم النون ، وهو المتعارف ، سمي الاشتقاق الصغير (٢). وإن تجاوزت إلى ما احتملته من معنى أعم من ذلك كيفما انتظمت ، مثل الصور الست للحروف الثلاثة المختلفة من حيث النظم ، والأربع
__________________
(١) الاشتقاق : هو نزع لفظ من آخر بشرط تناسبهما معنى وتركيبا ومغايرتهما في الصيغة ، نحو : اشتقاق كلمة دارس من درس (على رأي البصريين) واشتقاق كلمة فارس عن فرس. واختلف الكوفيون والبصريون في أصل الاشتقاق. فقال الكوفيون الفعل أصل الاشتقاق ، وقال البصريون :
المصدر أصل الاشتقاق. وهو أنواع. يأتي بيانها. انظر المعجم المفصل في علوم اللغة للدكتور / محمد التونجي والأستاذ / راجي الأسمر (١ / ٦٢ ـ ٦٣.) وقد ذكر ابن جني الاشتقاق في الخصائص ٢ / ١٣٣ تحت عنوان (باب في الاشتقاق الأكبر) : فليرجع إليه.
(٢) الاشتقاق الصغير ، أو الأصغر أو العام هو نزع لفظ من آخر آصل منه ، بشرط اشتراكهما في المعنى والأحرف الأصول وترتيبها ، كاشتقاق اسم الفاعل (قاتل) واسم المفعول (مقتول) والفعل (نقاتل) وغيرها من المصدر (القتل) على رأي البصريين ، أو من الفعل (قتل) علي رأي الكوفيين. وهذا النوع أكثر أنواع الاشتقاق ورودا في العربية وأعظمها أهمية ، وعليه تجري كلمة (اشتقاق) إذا أطلقت دون تقييد.