القسم الثالث
في الاستعارة المصرح بها المحتملة للتحقيق والتخييل
هي كما ذكرنا أن يكون المشبه المتروك صالح الحمل على ما له تحقق من وجه ، وعلى ما لا تحقق له من وجه آخر ، ونظيره قول زهير (١) :
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... |
|
وعرّي أفراس الصّبا ورواحله |
أراد أن يبين أنه أمسك عما كان يرتكب ، أو أن الصبا ، وقمع النفس عن التلبس بذاك ، معرضا الإعراض الكلي عن المعاودة لسلوك سبيل الغي ، وركوب مراكب الجهل ، فقال :
وعرّي أفراس الصّبا ورواحله
أي ما بقيت آلة من آلاتها المحتاج إليها في الركوب والارتكاب قائمة ، كأيما نوع فرضت من الأنواع ، حرفة أو غيرها ، متى وطنت النفس على اجتنابه ، ورفع القلب رأسا عن دق بابه ، وقطع العزم عن معاودة ارتكابه ، فيقل العناية بحفظ ما قوام ذلك النوع به من الآلات والأدوات ، فترى يد التعطيل تستولي عليها فتهلك وتضيع شيئا فشيئا ، حتى لا تكاد تجد في أدنى مدة أثرا منها ولا عثيرا ، فبقيت لذلك معراة لا آلة ولا أداة ، فحق قوله : خ خ أفراس الصبا ورواحله ، أن يعد استعارة تخييلية ، لما يسبق إلى الفهم ، ويتبادر إلى الخاطر ، من تنزيل : (أفراس الصبا ورواحله) ، منزلة أنياب المنية ومخالبها ، وإن كان يحتمل احتمالا بالتكلف أن تجعل الأفراس والرواحل عبارة عن دواعي النفوس وشهواتها ، والقوى الحاصلة لها في استيفاء اللذات ، أو عن الأسباب التي قلما تتآخذ في اتباع الغي ، وجر أذيال البطالة ، إلّا أوان الصبا ، وكذلك قوله ، علت كلمته : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ)(٢) الظاهر من اللباس ، عند أصحابنا ، الحمل على
__________________
(١) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٣٢ وعزاه إليه ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤٤٦ ، والطيبى في التبيان (١ / ٣٠٢) وشرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١١٨) والعلوى في الطراز (١ / ٢٣٣).
(٢) سورة النحل الآية ١١٢.