هذا ما أمكن من تلخيص كلام الأصحاب في هذا الفصل ، ولو أنهم جعلوا قسم الاستعارة التبعية من قسم الاستعارة بالكناية ، بأن قلبوا ، فجعلوا في قولهم : نطقت الحال بكذا ، الحال التي ذكرها عندهم قرينة الاستعارة بالتصريح ، استعارة بالكناية عن المتكلم بوساطة المبالغة في التشبيه على مقتضى المقام ، وجعلوا نسبة النطق إليه قرينة الاستعارة ، كما تراهم في قوله (١) :
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها
يجعلون المنية استعارة بالكناية عن السبع ، ويجعلون إثبات الأظفار لها قرينة الاستعارة ، وهكذا ، لو جعلوا البخل استعارة بالكناية عن حي أبطلت حياته بسيف أو غير سيف فالتحق بالعدم ، وجعلوا نسبة القتل إليه قرينة ، ولو جعلوا أيضا خ خ اللهذميات استعارة بالكناية عن المطعومات اللطيفة الشهية على سبيل التهكم ، وجعلوا نسبة لفظ القرى إليها قرينة الاستعارة لكان أقرب إلى الضبط ، فتدبره.
تعريف الاستعارة :
وإذ قد عرفت ما ذكرت فلا بأس أن أحكي لك ما عند السلف في تعريف الاستعارة : حدها عند بعضهم : تعليق العبارة على غير ما وضعت له في أصل اللغة على جهة النقل للإنابة ، وعند الأكثر جعل الشيء الشيء لأجل المبالغة في التشبيه ، كقولك : رأيت أسدا في الحمام ؛ وجعل الشيء للشيء لأجل المبالغة في التشبيه ، كقولك : لسان الحال ، وزمام الحكم. ولا أزيد على الحكاية.
__________________
(١) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٢٨ وعزاه لأبي ذؤيب الهذلي ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤٤٥ ، والطيبى في التبيان (١ / ٣٠٣) بتحقيقى ، والعلوى في الطراز (١ / ٢٣٢). وتمامه : ألفيت كل تميمة لا تنفع. وقد تقدم.