الحقيقة العقلية :
وأما الحقيقة العقلية ، وتسمى حكمية أيضا ، وإثباتية ، فهي الكلام المفاد به ما عند المتكلم من الحكم فيه ، كقولك : خ خ أنبت الله البقل ، وخ خ شفى الله المريض ، وخ خ كسا خدم الخليفة الكعبة ، وخ خ هزم عسكر الأمير الجند ، وخ خ بنى عملة الوزير القصر. وإنما قلت : خ خ ما عند المتكلم من الحكم فيه ، دون أن أقول : خ خ ما في العقل من الحكم فيه ، ليتناول : كلام الدهري إذا قال : خ خ أنبت الربيع البقل ، رائيا إنبات البقل من الربيع ، وكلام الجاهل إذا قال : خ خ شفى الطبيب المريض ، رائيا شفاء المريض من الطبيب ، حيث عدّا منهما حقيقتين مع كونهما غير مفيدين لما في العقل من الحكم فيهما.
ومن أراد تصحيحه ذاهبا فيه إلى أن يعني عقل المتكلم ، استتبع هنات ، ومن حق هذا المجاز الحكمي أن يكون فيه للمسند إليه المذكور نوع تعلق وشبه بالمسند إليه المتروك ، فإنه لا يرتكب إلّا لذلك ، مثل ما يرى للربيع في خ خ أنبت الربيع البقل ، من نوع شبه بالفاعل المختار من : دوران الإنبات معه وجودا وعدما ، نظرا إلى عدم الإنبات بدونه وقت الشتاء ، ووجوده مع مجيئه : دوران الفعل مع اختيار القادر وجودا وعدما.
ومثل ما ترى أيضا للدواء في : خ خ شفى الدواء المريض من : دوران الشفاء مع تناوله وجودا وعدما ، وما ترى للخليفة في : خ خ كسا الخليفة البيت ، من : دوران كسوة البيت مع أمره وجودا وعدما. فإن لم يكن هذا الشبه بين المذكور والمتروك ، كما لو قلت : خ خ أنبت [الربيع](١) البقل ، وخ خ شفى [الدواء](٢) المريض ، نسبت إلى ما تكره. ولما تسمع من علماء هذا الفن كثيرا في المجاز العقلي أنه : يكون مجازا في الإثبات ، ربما أوهم اختصاصه بالخبر فلا تخصصه به ، وقل في مثل ما إذا قلنا : إني بعد ما اقتنعت باليسير من الدنيا ، وطبت نفسا عن زخارفها ، ومحوت وساوس الفضول عن دفتر الخاطر ، وليس يهمني الآن غير التلافي لما فرط ، فليفعل الدهر ما شاء ، وليختلف الأصول اختلافها ، فلينبت الربيع ما أحب ، وليثمر الأشجار أيّا اشتهت ، ولينضج الخريف ما أدرك ـ
__________________
(١) في (د) : الرضيع.
(٢) في (د) : الدواة.