وقضينا الوطر عن كمال الاطلاع على هذه المقاصد ، فنقول :
تعريف البلاغة :
البلاغة هي بلوغ المتكلم في تأدية المعاني حدّا له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها ، وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها ، ولها ، أعني البلاغة ، طرفان : أعلى وأسفل ، متباينان تباينا لا يتراءى له ناراهما ، وبينهما مراتب ، تكاد تفوت الحصر ، متفاوتة ؛ فمن الأسفل تبتدىء البلاغة ، وهو القدر الذي إذا نقص منه شيء التحق ذلك الكلام بما شبهناه به في صدر الكتاب من أصوات الحيوانات ، ثم تأخذ في التزايد متصاعدة إلى أن تبلغ حد الإعجاز وهو الطرف الأعلى وما يقرب منه. واعلم أن شان الإعجاز عجيب يدرك ولا يمكن وصفه ، كاستقامة الوزن : تدرك ولا يمكن وصفها ، وكالملاحة.
ومدرك الإعجاز عندي هو : الذوق ليس إلا ، وطريق اكتساب الذوق : طول خدمة هذين العلمين.
نعم ، للبلاغة وجوه [متلثمة](١) ، ربما تيسرت إماطة اللثام عنها ، لتجلى عليك ، أما نفس وجه الإعجاز فلا.
الفصاحة :
وأما الفصاحة فهي قسمان : راجع إلى المعنى ، وهو خلوص الكلام عن التعقيد ، وراجع إلى اللفظ ، وهو أن تكون الكلمة عربية أصلية ، وعلامة ذلك أن تكون على ألسنة الفصحاء من العرب ، الموثوق بعربيتهم ، أدور ، واستعمالهم لها أكثر ، لا مما أحدثها المولدون ، ولا مما أخطأت فيه العامة ؛ وأن تكون أجرى على قوانين اللغة ، وأن تكون سليمة عن التنافر.
والمراد بتعقيد الكلام هو : أن يعثر صاحبه فكرك في متصرفه ، ويشيك طريقك إلى
__________________
(١) في (ط) (ملتئمة) والمثبت من (د) ، (ك).