وأما الجملة التي لا تكون مبينة الحال في الكل وخلافه ، مثل قولنا : خ خ المؤمن غرّ كريم (١) ، سميت : خ خ مهملة ، ولاحتمالها الكل وخلافه إن استعملت لم تستعمل إلا في المتيقن ، وهو البعض. ولطلب اليقين في الاستدلال لا تترك الحقيقة فيه إلى المجاز ، ولا التصريح إلى الكناية ، فاعرف.
وتأليف الجملتين الواقع في كل صورة من الأربع لا يزيد على ستة عشر ضربا ، لوقوع السابقة إحدى الجمل الأربع ، ووقوع اللاحقة مع السابقة كيف كانت ، إحدى أربعها أيضا. ولهذه الصور الأربع ترتب ، فالصورة التي يجعل الثالث فيها خبر المبتدأ المطلوب ، ثم مبتدأ لخبره ، تقدم لكونها أقرب من الطبع ، كما ستقف على ذلك إذا استطلعت طلعها كلها ؛ والصورة التي وضعها جعل الثالث فيها خبر المبتدأ المطلوب ثم خبرا لخبره ، تجعل ثانية لها ، لموافقتها إياها في الوضع الأول من وضعي جملتها ؛ والصورة التي وضعها جعل الثالث فيها مبتدأ لمبتدأ المطلوب ، ثم مبتدأ لخبره ، تؤخر عن الثانية ، وتجعل ثالثة لموافقتها الأولى في الوضع الأخير من وضعي جملتها ؛ والصورة التي يجعل الثالث فيها مبتدأ لمبتدأ المطلوب ، ثم خبرا لخبره ، تؤخر عن الثانية والثالثة لمخالفتها الأولى في وضعي جملتها. وهذه الصور الأربع تشترك في أنه لا يتركب ، في أية كانت ، دليل من سابقة ولاحقة بعضيتين ولا منفيتين في درجة واحدة ، ولا سابقة منفية ولاحقة بعضية ، كما سنطلعك عليه إذا اكتسبت قدرا من الإلف.
الصورة الأولى :
وإذ قد عرفت ذلك ، فنقول : أما الصورة الأولى ، فإنها تستشهد في المطالب الأربعة ، وهي : الإثبات الكلي ، والإثبات البعضي ، والنفي الكلي ، والنفي البعضي ؛ وتشهد لذلك شهادة بينة لما أنه يجعل الثالث لازما لكل مبتدأ المطلوب أو لبعضه ، ثم يجعل خبر المطلوب لازما لكل الثالث ، فيحصل منه ثبوت خبر المطلوب لمبتدأه حصولا جليا ، لما أن لازم لازم الشيء لازم لذلك الشيء ، والألزم القدح في أحد اللزومين. إما
__________________
(١) بعض حديث صحيح تقدم تخريجه.