ولا بأس أن تضع هاهنا لوحا ينقش فيه ما تمس الحاجة إليه وما ذكرت وإن كان كافيا في معرفة نقائض الجمل لكن لقلة عهدك بما يتلى عليك لا استبداع أن يكون لتعيين كل منها أثر لديك لكن لامتناع تعيين النقيض بدون الطرف الآخر يظهر منه أن ذكر أنواع الجمل لازم.
أحوال الجملة :
فنقول ـ وبالله التوفيق ـ : الجملة ، إما أن تكون مثبتة أو منفية ، وكيف كان ؛ إما أن تكون مطلقة أو مقيدة ، ومرجع التقييد في الجمل الاستدلالية إلى الدوام واللادوام ، والضرورة واللاضرورة ، فلا بد من النظر فيها أولا ، ثم من النظر في تقييد الجمل بها ثانية ، لكن الدوام واللادوام أمرهما جلي وإنما الشأن في الضرورة.
اعلم أن الجملة لا بد من أن تكون : إما مثبتة أو منفية ، وكيف كانت ، فلا بد أن تكون : إما واجبة وإما غير واجبة ، وتحصل من هذا أصناف ثلاثة ، ثبوت واجب ، انتفاء واجب ، ثبوت وانتفاء غير واجب :
والأول : هو الوجوب ، والثاني : هو الامتناع ، والثالث : هو الإمكان الخاص المتناول نوعا واحدا ، وهذا الإيراد يسمى طبقة.
ولك أن تورد التقسيم على غير هذا الوجه. فتقول : الثبوت ، إما أن يكون واجبا أو لا يكون ، وتسمي لا وجوب الثبوت إمكانا ، ثم تنوعه نوعين : وجوب عدم وهو الامتناع ، ولا وجوبه وهو الجواز. وهذا الإيراد طبقة أخرى. أو تقول : العدم : إما أن يكون واجبا أو لا يكون ، وتسمى لا وجوب العدم إمكانا ، ثم تنوعه إلى وجوب الوجود ، وإلى جواز الوجود ، فيكون الإمكان عاما شاملا لنوعين ، وهذا الإيراد طبقة ثالثة. وهذه الطبقات ومقبلاتها ، فيما بينهما من التلازم والتآخذ ما لا يخفى.
والمناهج هناك لسالكيها معرضة ، ولكن لقلة اعتيادك أن تسلكها ، ووهي الأسباب بينك وبين أن تملكها ، نرى الرأي أن لا نقتصر على اتضاح أمرها ، وأن نختصر الكلام في الإفصاح بذكرها ، وها هو ذا يقرع في صماخيك.