حديث الخلف في آخر التكملة عود.
مناظرة بين المتقدمين والمتأخرين :
وقبل أن نشرع فيما نحن له ، فاعلم أن المتأخرين قد خالفوا المتقدمين في عدة مواضع من هذا الباب ، كما ستقف عليها ، وخطؤوهم ، وكل من يأتي يرى رأي المتأخرين ، وعندي أن المتقدمين ما أخطئوا هناك ، وأنا أذكر هاهنا كلاما كليا ؛ ليكون مقدمة لما نحن له ، فأقول ، وبالله التوفيق.
كل أحد لا يخفى عليه معنى قولنا مع قوله : مع ، [تراهم](١) يقولون : الوجود والعدم لا يجتمعان معا ، ولا يرتفعان معا. ويقولون : الملزوم ، بوصف كونه ملزوما ، لا يعقل إلا مع اللازم. ويقولون : إذا انتفى اللازم انتفى معه الملزوم ، ويقولون : اعتبار الذات مع الصفة يغاير اعتبار الذات لا مع الصفة. هذا كله لبيان أن معنى مع : المعلوم ، فلا نتخذه محل نزاع.
ثم نقول : ولا يخفى أن معنى : خ خ مع ، في تحققه ـ سواء فرض في الذهن أو في الخارج ـ مفتقر إلى طرفين لا محالة ، وإذا تحقق ، امتنع اختصاصه بأحدهما دون الآخر. لكن متى صدق على شيء أنه مع آخر ، تصورا أو غير تصور ، كيف شئت ، استلزم أن يصدق على ذلك الآخر بأنه مع ذلك الشيء بذلك الاعتبار ، وإلّا لزم أن يكون ال خ خ مع حاصلا حين ما لا يكون حاصلا ، وإذا عرفت أن ال خ خ مع عند تحققه أمر ، كما ينتسب إلى أحد طرفيه ينتسب إلى الآخر من غير تفاوت ، ظهر أن أي اعتبار قدر [ال خ خ مع](٢) الحاصل من إطلاق أو لا إطلاق ، ومن دوام أو لا دوام ، ومن ضرورة أو لا ضرورة ، امتنع أن يختص ذلك بأحد الطرفين ، دون صاحبه الواقع طرفا له ثانيا ، فإن كان هذا مع ذاك في التصور ، أو في الخارج ، كان ذاك مع هذا في ذلك التصور ، أو في ذلك الخارج ، والألزم المحذور المذكور ، وهو أن يكون ال خ خ مع حاصلا حين ما لا يكون ، لامتناع اختصاصه بأحدهما ، وإذا كان هذا مع ذاك دائما ، كان ذاك مع هذا في أوقات دوامه ،
__________________
(١) في (غ): (ما تراهم).
(٢) في (غ ، د): (للمع).