تركيب الدليل :
وحيث كشفت لك القناع ، ونبهتك على ذلك بما أوردت ، عرفت أن التعرض للزيادة على المذكور تكرار محض ، والتكرار وظيفة المستفيد لا المفيد ، وإذ قد تلونا عليك في فصلي : التناقض والانعكاس ما تلونا ، لم يخف عليك إذا استحضرت مضمونهما : أن سابقة الدليل ولاحقته ، متى جعلتا مطلقتين ، امتنع أن تدل ، اللهم إلا في باب الإمكان ، وأنهما إذا اختلفتا في الأحوال : من الدوام واللادوام ، والضرورة واللاضرورة ، وامتزجتا في الدليل ، لزم اختلاف حال الحاصل منه ، فوجب أن ننبهك ، في عدة امتزاجات ، على كيفية تعرض الاعتبارات لحال الحاصل ، ثم نشرع بعد المفصلين الموعودين في : تركيب الدليل من شرطيتين معا ، وشرطية إحداهما دون الأخرى ؛ لكن الكلام في ذلك يستدعي مزيد ضبط لما تقدم ، فنقول :
إن الدليل في الصورة الأولى ، في ضرورياتها الأربعة ، مستبد بالنفس ، لا يحتاج إلى موضح لكمال اتضاحه لرجوعه : في الإثبات إلى أن : لازم لازم الشيء لازم لذلك الشيء بواسطة ، وفي النفي إلى أن : معاند لازم الشيء معاند لذلك الشيء بواسطة.
وأما في الثانية والثالثة والرابعة ، فمتى افتقر إلى معونة في الإيضاح أوضحناه ، إما بما قدمنا ذكره في تلخيص الخلاصة ، وإما بما عليه الأصحاب من الرد إلى الأولى ، تارة بوساطة العكس ، وأخرى بوساطة : الافتراض ، وهو تقدير البعض كلا لأفراده على ما سبق وثالثة بهما ، وإما بالخلف.
أما الرد ، فكما إذا كان الدليل من الضرب الأول من الثانية ، مثل : كل منصرف معرب ، ولا شيء من المثنى بمعرب ، فلا شيء من المنصرف بمثنى. فتعكس اللاحقة ، فيرتد إلى الضرب الثالث من الأولى ، ويحصل الحاصل بعينه.
وهذا العمل يعرف بذي عكس واحد ، لعكس يجرى في ضمن الدليل.
وأما الخلف ، فمثل أن تقول : إن لم يصدق : لا شيء من المنصرف بمبني صدق نقيضه ؛ وهو : بعض المنصرف مبني. وتضم إليه اللاحقة فيتركب دليل من الضرب الرابع ، من الأول ، هكذا : بعض المنصرف مبني ، ولا شيء من المبنيات بمعرب ، فيحصل : لا كل منصرف معرب. وقد كان : كل منصرف معرب ، وذلك أن تعكس