وتجعل قولك : لكنه إنسان ، وهو في قوة : هو إنسان ، سابقة : وتركب الدليل هكذا : هو إنسان ، وكل إنسان حيوان ، فيحصل : هو حيوان ، وأن تنزل الثاني ، منزلة الضرب الرابع من الصورة الثانية ، ناظما قولك : لكنه ليس بحيوان ، في سلك : ليس هو بحيوان ، مركبا للدليل هكذا : هو ليس بحيوان ، وكل إنسان حيوان ، محصلا منه : ليس هو بإنسان. وأما مقابلاهما فلا ينتظمهما ، على ما سلكنا من الطريق ، ضرب من ضروب الصور ، فتأمل.
قياس الخلف :
وأما قياس الخلف فقد تكرر عليك ، غير مرة ، كونه ، دليلا مركبا من نقيض الحاصل من الدليل المذكور ومن إحدى جملتيه ، لبيان بطلان النقيض ، بوساطة أن الدليل متى صح تركيبه وصدقت جملتاه لزمه الحق ، واللازم ههنا منتف ، فيلزم انتفاء الملزوم ، وإذ لا شبهة في صحة التركيب وفي صدق إحدى الجملتين ، فالمتعين للكذب ، إذن ، هي الجملة الأخرى ، وهي النقيض ، توصلا بذلك كله إلى إثبات حقية الحاصل من الدليل المذكور سابقا. والخلف إذا نظم في سلك القياسات المركبة نظم لذلك ، ونسميه قياس الخلف إما : لأنه قياس يسوق إلى حاصل رديء ، وهو خلاف الحق ، فالخلف هو الكلام الرديء ، يقال : سكت ألفا ونطق خلفا. وإما لأنه قياس كأنه يأتي من وراء من ينكر حاصل الدليل السابق ، ويترك حمله بنفس الدليل ، فالخلف هو الوراء أيضا ، بناء على أن الإنسان متى اتصف بالإنكار لشيء ؛ وصف بأنه حول ظهره إليه ، وكذا إذا ترك العمل به ، وأبى قبوله ، قيل : نبذه وراء ظهره ، وعليه قوله علت كلمته : (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ)(١) أي تركوا العمل به ، وربما جرى على ألسن الدخلاء في هذا الفن بضم الخاء ، وقد جرت العادة على تسمية خلف الخلف رد الخلف إلى المستقيم.
وخلف الخلف : هو أن تركب قياسا من نقيض الحاصل من الخلف ومن إحدى
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ١٨٧.