طريق الكناية ، إذا مهر ، مثل ما تقول للخصم : إن صدق ما قلت استلزم كذا ، واللازم منتف ، ولا تزيد فتقول :
تعريف الدليل :
وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم ، فلزم منه كذب قولك. وهل فصل القياسات ووصلها يشم غير هذا؟ وأما بعد ، فللمحصلين فيما نحن بصدده أشياء تسلك فيما بينهم ، فلنورد طرفا منها لمجرد التنبيه على نوعها ، من ذلك أن تعريف الدليل ممتنع ؛ لأن العلم بتركيب الدليل ، إن كان بالضرورة ، امتنع تعريفه ، وإن كان بالدليل ، لزم. إما الدور وإما التسلسل ، وهما باطلان ، ولا شيء سوى الضرورة والاستدلال ، فيجاب عنه : بأنّا لا نعرف تركيب الدليل ، وإنما ننبه عليه ، من له في ظننا استعداد التنبه ، فإن لم يتنبه ، محوناه عن دفتر المخاطبين. ولا شبهة في تفاوت النفوس لإدراك العلوم ، ومن ذلك : أن الاكتساب بالدليل ممتنع ، فإن إفادته للعلم ، إن كانت بالضرورة لزم منه الاشتراك في العلم ، فالدليل : اشتراك العلم بما يفيد ، واللازم ، كما هو غير خاف ، منتف ، فيجاب عن ذلك : بأنه تشكيك ، فيما يعلم كل أحد بالضرورة أن ليس كل علم ضروريا ، فيعترض عليه ، بأن تصحيح ذلك في حيز التعارض لكونه مشككا أيضا في إحدى الضرورات المتألف عنها السؤال ، فيجاب عن الاعتراض بأن التعارض ، إن كان أورثكم شكا في ضرورات سؤالكم ، فالاعتراض مقدوح فيه ، فلا يستحق الجواب. وإن كان لم يورث ، فهو اعتراف منكم بكون ضرورتنا قائمة ، فلا حاجة بنا إلى الجواب ، فيقدح في الجواب : بأن التعارض إذا أورث تشكيكا لنا أوجب مثله لكم ، فيصار في دفع القدح إلى أنه تمسك منكم بالدليل ، وأنه تناقض ، وإنما أخرت هذا ، ولك أن تقدمه ، ليقرع سمعك ما قد سبقه ، ومن ذلك : أن الاكتساب بالدليل : إن قيل به ، لزم في كل من هو عاقل : جمال أو حمال أو نظيرهما ، إذا نظروا أن يحصل لهم من العلوم العقلية ما قد تفرد به الأفراد ، لكون النظر في نفسه ممكنا ، والإلزام الجبر ، وكون أجزاء الدليل في ذهن كل أحد لامتناع القول باكتسابها ، على ما سبق في باب الحد ، وكون صحة تركيب الدليل وفساده غير مكتسبين ، تفاديا عن المحذورين : الدور والتسلسل.