وكون الصادر علما مستغنيا عن الاكتساب للتفادي عن المحذورين ، ثم إن هذا اللازم معلوم الانتفاء لكل منصف ذي بصيرة ، فيقال : إن سلم لكم ما ذكرتموه في توجيه ما ألزمتم ، فهو ألزم لكم فيما إذا كانت العلوم عن آخرها مبرأة عن الاكتساب ، وهذا النوع الذي قد أردنا التنبيه عليه هو فوائد ، لئن أخذنا بك في شعبها ، وإنها لربما ضربت بعروقها إلى علوم لست من عالمها ، لتهيمن في أودية الحيرة ، خاسرا أكثر مما كنت قد ربحت ، فالرأي الرصين الترك عن آخرها ، ولنتكلم في فصل كنا أخرناه لهذا الموضع وهو : بيان حال المستثنى منه في كونه حقيقة أو مجازا فنقول :
المستثنى منه : حقيقة أو مجاز؟
إن أصحابنا في علم النحو ، حيث يصفون الاستثناء بأنه إخراج الشيء عن حكم دخل فيه غيره ، ويعنون أن ذلك الإخراج يكون بكلمات مخصوصة يعينونها ، وإنك لتعلم أن إخراج ما ليس بداخل غير صحيح ، فيظهر لك من هذا أن حق المستثنى عندهم ، كونه داخلا في حكم المستثنى منه ، وأن قولهم : لفلان علي عشرة دراهم إلا واحدا ، يستدعي دخول الواحد في حكم العشرة قبل إلا ، لكن دخول الواحد في حكم العشرة ، متى قدر من قبل المتكلم ، ناقض آخر الكلام أوله ، كما يشهد له الحال ؛ وقد سبق الكلام في التناقض ، فيلزم تقديره من قبل السامع.
وأن يكون استعمال المتكلم للعشرة مجازا في التسعة ، وأن يكون إلا واحدا قرينة المجاز ، ويفرع على اعتبار الدخول كون الاستثناء متصلا ، مثل : جاءني إخوتك إلا الأكبر ، أو قومك إلا زيدا منهم ، أصلا دون كونه منقطعا ، مثل : جاءني القوم إلا حمارا ، وكون كون دخول المستثنى في حكم المستثنى منه واجبا ، مثل ما سبق أصلا دون ما لا يكون واجبا ، مثل قولك : اضرب قوما إلا عمرا ، إذ لا يخفى أن دخول عمرو في حكم الضرب لا يجب وجوب دخول الواحد في العشرة ، أو الأكبر أو زيد في إخوتك وقومك ، ويفرع على اعتبار المجاز كون كون المستثنى أقل من المستثنى منه ، الباقي بعد الاستثناء ، مثل الأمثلة المذكورة أصلا ، نحو : لفلان علي عشرة إلا تسعة ، لكون الدخول الذي هو سبب الاستثناء مراعى في الأول ، وكون الدخول المراعى مع الوجوب أظهر منه عند عدم الوجوب في الثاني ، وكون تنزيل الأكثر منزلة الكل ،