الفصل الأول
في بيان المراد من الشعر
قيل : الشعر عبارة عن كلام موزون مقفى ، وألغى بعضهم لفظ : المقفى ، وقال : إن التقفية ، وهي القصد إلى القافية ورعايتها لا تلزم الشعر ، لكونه شعرا بل لأمر عارض ، ككونه مصرعا ، أو قطعة أو قصيدة ، أو لاقتراح مقترح ، وإلا فليس للتقفية معنى غير انتهاء الموزون ، وأنه أمر لا بد منه ، جار من الموزون مجرى كونه مسموعا ؛ ومؤلفا ، وغير ذلك ، فحقه ترك التعرض ولقد صدق.
ومن اعتبر المقفى قال : الموزون قد يقع وصفا للكلام ، إذا سلم عن عيبى : قصور وتطويل ؛ فلا بد من ذكر التقفية تفرقة ، لكن وصف الكلام بالوزن ، للغرض المذكور ، لا يطلق وأقام بعضهم مقام الكلام اللفظ الدال على المعنى ، ولا بد لمن يتكلم بأصول النحو من ذلك ، مع زيادة ؛ وهي : أن تكون الدلالة بوساطة الوضع ، على ما يذكر في حد الكلمة ، وإلا لزم ، إذا قلت مثلا (١) :
ألا إن رأي الأشعريّ أبي الحسن ... |
|
ومتّبعيه في القبيح وفي الحسن |
وإن كان منسوبا إلى الجهل عن قلى ، ... |
|
لرأي حقيق بالتأمل ، فاعلمن |
أن لا يعد البيت الأول شعرا ، لكونه غير كلام بأصول النحو ، مع كونه شعرا من غير شبهة ، ولا الثاني وحده.
ثم اختلف فيه ، فعند جماعة : أن لا بد فيه من أن يكون وزنه ، لتعمد صاحبه إياه ، والمراد بتعمد الوزن هو : أن يقصد الوزن ابتداء ، ثم يتكلم مراعيا جانبه ، لا أن يقصد المتكلم المعنى وتأديته بكلمات لائقة من حيث الفصاحة في تركيب لتلك الكلمات توجبه البلاغة ، فيستتبع ذلك كون الكلام موزونا. أو أن يقصد المعنى ، ويتكلم بحكم
__________________
(١) البيتان من الطويل ، وهما من نظم المؤلف ضربا للمثل.