الخاتمة
في إرشاد الضلال
نقول لهؤلاء ، وإنا لنعرف مرمى غرضهم فيما يريشون من النبال ، يمنون ما دون نيله خرط القتاد ، بل ضرب أسداد على [أسداد](١) : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(٢) ؛ قدروا معشر الضلال ، إذ عشش الجهل في نفوسكم ، وباض وفرخ الباطل في ضمائركم ، وعميتم أبصارا وبصائر ، فما اهتديتم ؛ تقديرا باطلا ، أن محمدا ، عليهالسلام ، ما كان نبيا ، وقدروا أن القرآن كلامه ، أفعميتم أن تدركوا ضوء النهار بين أيديكم ، أن قد كان أفصح العرب ، وأملكهم لزمام الفصاحة والبلاغة غير مدافع ولا منازع ، وكلام مثله [حري](٣) أن يجل عن الانتقاد ، فضلا أن يحدر لثامه عن الزيف لدى النقاد ، فالقرآن الذي زعمتموه كلامه ، أما كان يقتضي بالبيت أن يكون [أحرى](٤) كلام على الاستقامة : لفظا وإعرابا ، وفصاحة وبلاغة ، وسلامة عن كل مغمز ، وحقيقا بأن يكتب على الحدق بذوب الذهب ، فإذ قد جهلتم حقه هناك ، أما اقتضى ، لا أقل ، أن يلين شكيمتكم ، ليخلص منكم كفافا ، لا عليه ولا له ، ثم قدروا حيث أعماكم الخذلان ، وأمطاكم ظهر السفه ، أنه ما كان أفصح العرب ، وأنه كان كآحاد الأوساط ، قد تعمد ترويج كلامه ، أما كان لكم في أنه مروّج ـ والعياذ بالله ـ ، وازع يزعكم أن تجازفوا ، فالمروّج كما لا يخفى ، وإن صادف الشمل سكرى تدير عليهم الغباوة كؤوسها ، وجثثا تغرز في سنة من الغفلة رءوسها ، يحتاط فيما يتعمد رواجه عليهم ، لا يألو فيه تهذيبا وتنقيحا ، فكيف إذا صادفه مشتملا على أيقاظ متفطنين ، لا يبارون قوة ذكاء ، وإصابة حدس ، وحدّة ألمعية ، وصدق
__________________
(١) في (د) : أسدادير ، وفي (غ) : أسداس.
(٢) اقتباس من سورة الصف ، الآية : ٨.
(٣) في (د ، غ) : حر.
(٤) في (د) : أجرى.