دلالة الآية على تحريم ما أصابه المحرم من الصيد وأنه لا يكون مذكى ويدل على أن تحريمه عليه من طريق الدين على أنه حق الله تعالى فأشبه صيد المجوسي والوثني وما ترك فيه التسمية أو شيء من شرائط الذكاة ليس بمنزلة الذبح بسكين مغصوبة لأن تحريمه تعلق بحق آدمي ألا ترى أنه لو أباحه جاز فلم يمنع صحة الذكاة إذ كانت الذكاة حقا لله تعالى فشروطها ما كان حقا لله تعالى.
باب ما يقتله المحرم
قوله تعالى (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) لما كان خاصا في صيد البر دون صيد البحر لما ذكرنا في سياق الآية من التخصيص اقتضى عمومه تحريم سائر صيد البر إلا ما خصه الدليل وقد روى ابن عباس وابن عمر وأبو سعيد وعائشة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال خمس يقتلهن المحرم في الحل والحرم الحية والعقرب والغراب والفأرة والكلب العقور على اختلاف منهم في بعضها وفي بعضها هن فواسق وروى عن أبى هريرة قال الكلب العقور الأسد وروى حجاج بن أرطاة عن وبرة قال سمعت ابن عمر يقول أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بقتل الذئب والفأرة والغراب والحدأة فذكر في هذا الحديث الذئب وذكر القعنبي عن مالك قال الكلب العقور الذي أمر المحرم بقتله ما قتل الناس وعدا عليهم مثل الأسد والنمر والذئب وهو الكلب العقور وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع والثعلب والهرة وما أشبههن من السباع فلا يقتلهن المحرم فإن قتل منهن شيئا فداه* قال أبو بكر قد تلقى الفقهاء هذا الخبر بالقبول واستعملوه في إباحة قتل الأشياء الخمسة للمحرم وقد اختلف في الكلب العقور فقال أبو هريرة على ما قدمنا الرواية فيه أنه الأسد ويشهد لهذا التأويل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا على عتبة بن أبى لهب فقال أكلك كلب الله فأكله الأسد قيل له إن الكلب العقور هو الذئب وروى في بعض أخبار ابن عمر في موضع الكلب الذئب ولما ذكر الكلب العقور أفاد بذلك كلبا من شأنه العدو على الناس وعقرهم وهذه صفة الذئب فأولى الأشياء بالكلب هاهنا الذئب وقد دل على أن كل ما عدا على المحرم وابتدأه بالأذى فجائز له قتله من غير فدية لأن فحوى ذكره الكلب العقور يدل عليه وكذلك قال أصحابنا فيمن ابتدأه السبع فقتله فلا شيء عليه وإن كان هو الذي ابتدأ السبع فعليه الجزاء لعموم قوله تعالى (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) واسم الصيد واقع على كل ممتنع الأصل متوحش