الآية بغير دليل وأيضا ليس في الأصول صدقة مخصوصة بمكان لا يجوز أداؤها في غيره فلما كان ذلك صدقة وجب جوازها في سائر المواضع قياسا على نظائرها من الصدقات ولأن تخصيصه بمكان خارج عن الأصول وما خرج عن الأصول وظاهر الكتاب من الأقاويل فهو ساقط مرذول فإن قال قائل فالهدى سبيله الصدقة وهو مخصوص بالحرم فأما الصدقة فحيث شاء وكذلك قال أصحابنا أنه لو ذبحه في الحرم ثم أخرجه فتصدق به في غيره أجزأه وأيضا لما اتفقوا على جواز الصيام في غير مكة وهو جزاء للصيد وليس بذبح وجب مثله في الطعام لهذه العلة.
باب صيد البحر
قال الله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ) وروى عن ابن عباس وزيد بن ثابت وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وقتادة والسدى ومجاهد قالوا صيده ما صيد طريا بالشباك ونحوها فأما قوله (وَطَعامُهُ) فقد روى عن أبى بكر وعمر وابن عباس وقتادة قالوا ما قذفه ميتا وروى عن ابن عباس أيضا وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وقتادة ومجاهد قالوا المملوح منه والقول الأول أظهر لأنه ينتظم إباحة الصنفين مما صيد منه وما لم يصد وأما المملوح فقد تناوله قوله (صَيْدُ الْبَحْرِ) ويكون قوله (وَطَعامُهُ) على هذا التأويل تكرارا لما انتظمه اللفظ الأول فإن قال قائل هذا يدل على إباحة الطافي لأنه قد انتظم ما صيد منه وما لم يصد والطافي لم يصد قيل له إنما تأول السلف قوله (وَطَعامُهُ) على ما قذفه البحر وعندنا أن ما قذفه البحر ميتا فليس بطاف وإنما الطافي ما يموت في البحر حتف أنفه فإن قيل قالوا ما قذفه البحر ميتا وهذا يوجب أن يكون قد مات فيه ثم قذفه وهذا يدل على أنهم قد أرادوا به الطافي قيل له وليس كل ما قذفه البحر ميتا يكون طافيا إذ جائز أن يموت في البحر بسبب طرأ عليه فقتله من برد أو حر أو غيره فلا يكون طافيا وقد بينا الكلام في الطافي فيما تقدم من هذا الكتاب وقد روى عن الحسن في قوله (وَطَعامُهُ) قال ما وراء بحركم هذا كله البحر وطعامه البر والشعير والحبوب رواه أشعث بن عبد الملك عن الحسن فلم يجعل البحر في هذا الموضع بحور المياه وجعله على ما اتسع من الأرض لأن العرب تسمى ما اتسع بحرا ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم للفرس الذي ركبه لأبى طلحة وجدناه بحرا أى واسع الخطو وقد روى حبيب بن الزبير عن