(فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) وجائز أن يكون ذلك أصلا فيما يلزم من تغيير المنكر وقال مكحول في قوله تعالى (عليكم أنفسكم) إذا هاب الواعظ وأنكر الموعوظ فعليك حينئذ نفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت والله الموفق.
باب الشهادة على الوصية في السفر
قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) قد اختلف في معنى الشهادة هاهنا قال قائلون هي الشهادة على الوصية في السفر وأجازوا بها شهادة أهل الذمة على وصية المسلم في السفر وروى الشعبي عن أبى موسى أن رجلا مسلما توفى بدقوقا ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب فأحلفهما أبى موسى بعد العصر بالله ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غير او أنها لوصية الرجل وتركته فأمضى أبو موسى شهادتهما وقال هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال آخرون معنى شهادة بينكم حضور الوصيين من قولك شهدته إذا حضرته وقال آخرون إنما الشهادة هنا أيمان الوصية بالله إذا ارتاب الورثة بهما وهو قول مجاهد فذهب أبو موسى إلى أنها الشهادة على الوصية التي تثبت بها عند الحكام وأن هذا حكم ثابت غير منسوخ وروى مثله عن شريح هو قول الثوري وابن أبى ليلى والأوزاعى وروى عن ابن عباس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وابن سيرين وعبيدة وشريح والشعبي أو آخران من غيركم من غير ملتكم وروى عن الحسن والزهري من غير قبيلتكم فأما تأويل من تأولها على اليمين دون الشهادة التي تقام عند الحكام فقول مرغوب عنه وإن كانت اليمين قد تسمى شهادة في نحو قوله تعالى (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله) لأن الشهادة إذا أطلقت فهي الشهادة المتعارفة كقوله تعالى (وأقيموا الشهادة لله واستشهدوا شهيدين من رجالكم ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا وأشهدوا ذوى عدل منكم) كل ذلك قد عقل به الشهادات على الحقوق لا الأيمان وكذلك قوله تعالى (شهادة بينكم) المفهوم فيه الشهادة المتعارفة ويدل عليه قوله تعالى (إذا حضر أحدكم الموت) ويبعد أن يكون المراد أيمان بينكم (إذا حضر أحدكم الموت) لأن حال الموت ليس حالا للأيمان ثم زاد بذلك بيانا بقوله (اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم) يعنى والله أعلم إن