كان أكثر أفعال المناسك متعلقا بالحرم كله هاهنا الحرم في حكم المسجد لما وصفنا فعبر عن الحرم بالمسجد وعبر عن الحج بالحرم ويدل على أن المراد بالمسجد قوله تعالى (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) ومعلوم أن ذلك كان بالحديبية وهي على شفير الحرم وذكر المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن بعضها من الحل وبعضها من الحرم فأطلق الله تعالى عليها أنها عند المسجد الحرام وإنما هي عند الحرم وإطلاقه تعالى اسم النجس على المشركين يقتضى اجتنابهم وترك مخالطتهم إذ كانوا مأمورين باجتناب الأنجاس وقوله تعالى (بعد عامهم هذا) فإن قتادة ذكر أن المراد العام الذي حج فيه أبو بكر الصديق فتلا على سورة براءة وهو لتسع مضين من الهجرة وكان بعده حجة الوداع سنة عشر قوله تعالى (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء) فإن العيلة الفقر يقال عال يعيل إذا افتقر قال الشاعر :
وما يدرى الفقير متى غناه |
|
وما يدرى الغنى متى يعيل |
وقال مجاهد وقتادة كانوا خافوا انقطاع المتاجر بمنع المشركين فأخبر الله تعالى أنه يغنيهم من فضله فقيل إنه أراد الجزية المأخوذة من المشركين وقيل أراد الإخبار بإبقاء المتاجر من جهة المسلمين لأنه كان عالما أن العرب وأهل بلدان العجم سيسلمون ويحجون فيستغنون بما ينالون من منافع متاجرهم من حضور المشركين وهو نظير قوله تعالى (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد) الآية فأخبر تعالى عما في حج البيت والهدى والقلائد من منافع الناس ومصالحهم في دنياهم ودينهم وأخبر في قوله (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله) عما ينالون من الغنى بحج المسلمين وإن كانوا قليلين في وقت نزول الآية وإنما علق الغنى بالمشيئة المعنيين كل واحد منهما جائز أن يكون مرادا أحدهما إنه لما كان منهم من يموت ولا يبلغ هذا الغنى الموعود به علقه بشرط المشيئة والثاني لينقطع الآمال إلى الله في إصلاح أمور الدنيا والدين كما قال الله تعالى (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين).
باب أخذ الجزية من أهل الكتاب
قال الله عز وجل (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم