الوجه الثاني فإن عليا وعثمان لم يعترضوا عليهم ولم يقتلوهم وأما قول مالك في العبد النصراني إذا أعتقه المسلم أنه لا جزية عليه فترك لظاهر الآية بغير دلالة إذ لا فرق بين من أعتقه مسلم وبين سائر الكفار الذين لم يعتقوا وأما قوله لو جعلت عليه الجزية لكان العتق قد أضربه ولم ينفعه شيئا فليس كذلك لأنه في حال الرق إنما لم تلزمه الجزية لأن ماله لمولاه والمولى المسلم لا يجوز أخذ الجزية منه والجزية إنما تؤخذ من مال الكفار عقوبة لهم على إقامتهم على الكفر والعبد لا مال له فتؤخذ منه فإذا عتق وملك المال وجبت الجزية وأخذنا الجزية منه لم يسلبه منافع العتق في جواز التصرف على نفسه وزوال ملك المولى وأمره عنه وتمليكه سائر أمواله وإنما الجزية جزء يسير من ماله قد حقن بها دمه فمنفعة العتق حاصلة له.
باب من تؤخذ منه الجزية
قال الله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ـ إلى قوله ـ حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فكان معقولا من فحوى الآية ومضمونها أن الجزية مأخوذة ممن كان منهم من أهل القتال لاستحالة الخطاب بالأمر بقتال من ليس من أهل القتال إذ القتال لا يكون إلا بين اثنين ويكون كل واحد منهما مقاتلا لصاحبه وإذا كان كذلك ثبت أن الجزية مأخوذة ممن كان من أهل القتال ومن يمكنه أداؤه من المحترفين ولذلك قال أصحابنا إن من لم يكن من أهل القتال فلا جزية عليه فقالوا من كان أعمى أو زمنا أو مفلوجا أو شيخا كبيرا فانيا وهو موسر فلا جزية عليه وهو قولهم جميعا في الرواية المشهورة وروى عن أبى يوسف في الأعمى والزمن والشيخ الكبير أن عليهم الجزية إذا كانوا موسرين وروى عنه مثل قول أبى حنيفة وروى ابن رستم عن محمد في نوادره قال قلت أرأيت أهل الذمة من بنى تغلب وغيرهم ليس لهم حرفة ولا مال ولا يقدرون على شيء قال لا شيء عليهم قال محمد وإنما يوضع الخراج على الغنى والمعتمل منهم وقال محمد في النصراني يكتسب ولا يفضل له شيء عن عياله إنه لا يؤخذ بخراج رأسه وقالوا في أصحاب الصوامع والسياحين إذا كانوا لا يخالطون الناس فعليهم الجزية وكذلك النساء والصبيان لا جزية عليهم إذ ليسوا من أهل