ما روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في سائر الأخبار التي ذكر فيها صفة التيمم لأن الذي روى في بعضها ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين فلم يجعل ما للوجه لليدين وما لليدين للوجه وفي بعضها ضربة واحدة لهما فقولهما خارج عن حكم الخبرين جميعا وهو مع ذلك خلاف الأصول لأن التيمم مسح فليس تكراره بمسنون كالمسح على الخفين ومسح الرأس ولو كان التكرار مسنونا فيه لكان ثلاثا كالأعضاء المغسولة وإنما قال أصحابنا في صفة التيمم أنه يضع يديه على الصعيد يقبل بهما ويدبر ليتخلل أصابعه ويصيب جميعها وإنما قالوا ينفضهما لما روى الأعمش عن سفيان عن أبى موسى أن عمارا قال وذكر قصة التيمم فقال إنه صلّى الله عليه وسلّم قال إنما يكفيك أن تصنع هكذا وضرب بيده على الأرض وفي حديث عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمار عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه ضرب بيده إلى الأرض ثم نفخهما وفي حديث الأسلع أنه نفضهما في كل مرة والنفخ والنفض جميعا إنما هو لإزالة التراب عن يده وهذا يدل على أنه ليس المقصد فيه وصول التراب إلى وجهه ولا حصوله فيه لأنه لو كان المقصد حصول التراب في العضو لما نفضه.
باب ما يتيمم به
قال الله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) اختلف الفقهاء فيما يجوز به التيمم فقال أبو حنيفة يجزى التيمم بكل ما كان من الأرض التراب والرمل والحجارة والزرنيخ والنورة والطين الأحمر والمرداسنج (١) وما أشبهه وهو قول محمد وزفر وكذلك يجزى بالكحل والآجر المدقوق في قولهما رواه محمد ورواه أيضا الحسن بن زياد عن أبى حنيفة وإن تيمم ببورق (٢) أو رماد أو ملح أو نحوه لم يجز عندهم وكذلك الذهب والفضة في قولهم وقال أبو يوسف لا يجزى إلا أن يكون ترابا أو رملا وإن ضرب يده على صخرة أو حائط لا صعيد عليها أجزأه في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف لا يجزيه وروى المعلى عن أبى يوسف أنه إن تيمم بأرض لا صعيد عليها لم يجزه وهو بمنزلة الحائط وهو قوله
__________________
(١) قول المرداسنج معرب مرداسنك بضم أوله وتسكين الراء وهو جوهر مركب من القصدير والرصاص كذا ذكره عاصم افندى في ترجمة البرهان القاطع وفي الفتاوى الهندية أنه يجوز التيمم بالمرداسنج المعدنى دون المتخذ من شيء آخر هكذا في محيط السرخسي.
(٢) قوله ببورق هو نوع من الأملاح ويقال له النطرون.