(أنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب) فالتجأ إلى الله في الخلاص مما كان يوسوس إليه الشيطان بأنه لو كان له عند الله منزلة لما ابتلاه بما ابتلاه به ولم يكن صلوات الله عليه قابلا لوساوسه إلا أنه كان يشغل خاطره وفكره عن التفكر فيما هو أولى به فقال الله له عند ذلك (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) فكذلك كل من اتقى الله بأن التجأ إليه وعلم أنه القادر على كشف ضره دون المخلوقين كان على إحدى الحسنيين من فرج عاجل أو سكون قلب إلى وعد الله وثوابه الذي هو خير له من الدنيا وما فيها قوله تعالى (ثم تاب عليهم ليتوبوا) يعنى والله أعلم تاب على هؤلاء الثلاثة وأنزل توبتهم على نبيه صلّى الله عليه وسلّم ليتوب المؤمنون من ذنوبهم لعلمهم بأن الله تعالى قابل توبتهم قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) روى ابن مسعود قال يعنى لازم الصدق ولا تعدل عنه إذ ليس في الكذب رخصة وقال نافع والضحاك مع النبيين والصديقين بالعمل الصالح في الدنيا وقال تعالى في سورة البقرة (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر ـ إلى قوله ـ أولئك الذين صدقوا) وهذه صفة أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم المهاجرين والأنصار ثم قال في هذه الآية (وكونوا مع الصادقين) فدل على لزوم اتباعهم والاقتداء بهم لإخباره بأن من فعل ما ذكر في الآية فهم الذين صدقوا وقال في هذه الآية (وكونوا مع الصادقين) فدل على قيام الحجة علينا بإجماعهم وأنه غير جائز لنا مخالفتهم لأمر الله إيانا باتباعهم وقوله تعالى (لقد تاب الله على النبى والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) فيه مدح لأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم الذين غزوا معه من المهاجرين والأنصار وإخبار بصحة بواطن ضمائرهم وطهارتهم لأن الله تعالى لا يخبر بأنه قد تاب عليهم إلا وقد رضى عنهم ورضى أفعالهم وهذا نص في رد قول الطاعنين عليهم والناسبين بهم إلى غير ما نسبهم الله إليه من الطهارة ووصفهم به من صحة الضمائر وصلاح السرائر رضى الله عنهم* قوله تعالى (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله) قد بينت هذه الآية وجوب الخروج على أهل المدينة مع رسول الله في غزواته إلا المعذورين ومن أذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في القعود ولذلك ذم المنافقين الذين كانوا يستأذنون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في القعود في الآيات المتقدمة وقوله (ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) أى يطلبون المنفعة بتوقية أنفسهم دون نفسه بل كان الفرض عليهم