والظلم ، والمِراء ، والدناءة ، واللؤم ، والمَلَق ، والجلافة ، والبخل ، والطمع ، واللّدد ، وعدم الغيرة على حليلته ، إلى غير ذلك من المعاير النفسيّة وأضداد مكارم الأخلاق ، ليست هذه كلّها إلاّ من علائم النفاق ، ومن رشحات عدم الإسلام المستقرِّ ، وانتفاء الإيمان بالله وبما جاء به النبيُّ الأقدس ؛ إذ الإسلام الصحيح هو المصلح الوحيد للبشر ، ومهذِّب النفس بمكارم الأخلاق ، ومجتمع الفضائل ، وأساس كلِّ فضل وفضيلة ، وأصل كلِّ محمدة ومكرمة ، وبه يتأتّى الصلاح في النفوس مهما سرى الإيمان من عاصمة مملكة البدن ـ القلب ـ إلى سائر الأعضاء والجوارح واحتلّها واستقرّ بها.
وذلك أنَّ مثَل الإيمان في المملكة البدنيّة الجامعة لشتات آحاد الجوارح والأعضاء كمثل دستور الحكومات في الممالك الجامعة لأفراد الأشخاص ، فكما أنَّ القوانين المقرَّرة في الحكومات والدول مبثوثة في الأفراد ، وكلُّ فرد من المجتمع له تكليفٌ يخصُّ به ، وواجبٌ يحقُّ عليه أن يقوم به ، وحدٌّ محدودٌ يجب عليه رعايته ، وبصلاح الأفراد وقيام كلِّ فرد منهم بواجبه يتمُّ صلاح المجتمع ، ويحصل التقدّم والرقيُّ في الحكومات ، كذلك الإيمان في المملكة البدنيّة فإنَّه قوانين مبثوثة في الأعضاء والجوارح العاملة فيها ، ولكلّ منها بنصِّ الذكر الحكيم تكليفٌ يخصُّ به ، وحدٌّ معيَّنٌ في السنّة يجب عليه رعايته والتحفّظ به ، وأخذ كلٍّ بما وجب عليه هو إيمانه وبه يحصل صلاحه ، فواجب القلب غير فريضة اللسان ، وفريضته غير واجب الأُذن ، وواجبها غير ما كلّف به البصر ، وفرضه غير واجب اليدين وواجبهما غير تكليف الرجلين وهكذا وهكذا ، وإنَّ السمع والبصر والفؤاد كلُّ أولئك كان عنه مسؤولاً ، وهذا البيان يُستفاد من قول النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما أخرجه الحافظ ابن ماجة في سننه (١) (١ / ٣٥): «الإيمان معرفةٌ بالقلب ، وقولٌ باللسان ، وعملٌ بالأركان» (٢).
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الإيمان بضع وسبعون شعبة ، فأفضلها لا إله إلاّ الله ، وأدناها
__________________
(١) سنن ابن ماجة ١ / ٢٥ ح ٦٥.
(٢) وبهذا اللفظ يروى عن أمير المؤمنين كما في نهج البلاغة [ص ٥٠٨ حكمة ٢٢٧]. (المؤلف)