من العاضد فعاداه أيضاً الحرم من القصر ، فأرسلت عمّة العاضد الأموال إلى الأمراء المصريّين ودعتهم إلى قتله ، وكان أشدَّهم عليه في ذلك إنسانٌ يُقال له ابن الراعي ، فوقفوا له في دهليز القصر ، فلمّا دخل ضربوه بالسكاكين على دهش فجرحوه جراحات مهلكة ، إلاّ أنّه حُمل إلى داره وفيه حياةٌ ، فأرسل إلى العاضد يُعاتبه على الرضا بقتله مع أثره في خلافته ، فأقسم العاضد أنّه لا يعلم بذلك ولم يرضَ به. فقال : إن كنت بريئاً فسلِّم عمّتك إليَّ حتى أنتقم منها ، فأمر بأخذها فأرسل إليها فأخذها قهراً وأُحضرت عنده فقتلها ووصّى بالوزارة لابنه رزّيك ولقّب العادل ، فانتقل الأمر إليه بعد وفاة أبيه. وللصالح أشعارٌ حسنةٌ بليغةٌ تدلُّ على فضل غزير ، فمنها في الافتخار :
أبى اللهُ إلاّ أن يدومَ لنا الدهرُ |
|
ويخدمُنا في ملكنا العزُّ والنصرُ |
علمنا بأنّ المالَ تفنى ألوفُه |
|
ويبقى لنا من بعدِه الأجرُ والذكرُ |
خلطنا الندى بالبأسِ حتى كأنّنا |
|
سحابٌ لديه البرقُ والرعدُ والقطرُ |
قِرانا إذا رحنا إلى الحربِ مرّةً |
|
قِرانا ومن أضيافِنا الذئبُ والنسرُ |
كما أنّنا في السلمِ نبذلُ جودَنا |
|
ويرتعُ في إنعامنا العبدُ والحرُّ |
وكان الصالح كريماً فيه أدب وله شعر جيّد ، وكان لأهل العلم عنده اتِّفاق ويرسل إليهم العطاء الكثير ، بلغه أنّ الشيخ أبا محمد بن الدهّان النحوي البغدادي المقيم بالموصل قد شرح بيتاً من شعره ، وهو هذا :
تجنّبَ سمعي ما يقولُ العواذلُ |
|
وأصبح لي شغلٌ من الغزوِ شاغلُ |
فجهّز إليه هديّة سنيّة ليرسلها إليه فقُتل قبل إرسالها ، وبلغه أيضاً أنّ إنساناً من أعيان الموصل قد أثنى عليه بمكّة فأرسل إليه كتاباً يشكره ومعه هديّة ، وكان الصالح إماميّا لم يكن على مذهب العلويّين المصريّين ، ولمّا ولي العاضد الخلافة وركب