ما رُوي عن عمر أنّه جعل المهر في بيت المال فإنّه ذهب إلى أنّه مهر حصل لها من وجه محظور فسبيله أن يتصدّق به ؛ فلذلك جعله في بيت المال ثمّ رجع فيه إلى قول عليّ رضى الله عنه ، ومذهب عمر في جعل مهرها لبيت المال إذ قد حصل لها ذلك من وجه محظور يشبه ما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في الشاة المأخوذة بغير إذن مالكها ، قدّمت إليه مشويّة لم يكد يسيغها حين أراد الأكل منها فقال : إنّ هذه الشاة تخبرني أنّها أُخذت بغير حقّ ، فأخبروه بذلك فقال : أطعموها الأسارى. ووجه ذلك عندنا أنّما صارت لهم بضمان القيمة فأمرهم بالصدقة بها ، لأنّها حصلت لهم من وجه محظور ولم يكونوا قد أدّوا القيمة إلى أصحابها. انتهى.
أعمى الجصّاص حبّ الخليفة ، فرام أن يدافع عنه ولو بما يسمه بسمة الجهل ، ألا مسائل هذا المدافع الوحيد عن المال المحصّل من وجوه الحظر متى كان سبيله أن يُتصدّق به حتى يتّخذه الخليفة مذهباً وإن لم يكن الموضوع من مصاديقه؟ ولما ذا لا يُردّ إلى صاحبه ولا يحلّ مال امرئٍ إلاّ بطيب نفسه؟ ثمّ ما وجه الشبه بين مال استحقّت به المرأة بما استحلّ من فرجها ، وبين شاة حلّلته اليد لرسول الله ، وسوّغت له التصرّف فيها؟ غير أنّ حسن الوقوف عند الشبهات وإن علمت من غير طريق عاديّ دعاه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الكفّ عنها ، من دون ترتّب أحكام الغصب عليها من ردّها إلى صاحبها عُرف أو لم يُعرف ، فلا صلة بين الموضوعين ، على أنّ جهل الخليفة في المسألة ليس من ناحية جعل الصداق في بيت المال فحسب حتى يُرقّع ، وإنّما خالف السنّة من شتّى النواحي كما عرفت.
ـ ٢٠ ـ
اجتهاد الخليفة في الجدّ
أخرج الدارمي في سننه (٢ / ٣٥٤) عن الشعبي أنّه قال : أوّل جدّ ورث في