ـ ٤٣ ـ
استشارة الخليفة في متسابّين
أخرج البيهقي في السنن الكبرى (٨ / ٢٥٢) : أنّ رجلين استبّا في زمن عمر بن الخطّاب ، فقال أحدهما للآخر : والله ما أرى أبي بزانٍ ولا أُمّي بزانية. فاستشار عمر الناس في ذلك ، فقال قائل : مدح أباه وأُمّه. وقال آخرون. قد كان لأبيه وأُمّه مدح غير هذا ، نرى أن تجلده الحدّ. فجلده عمر الحدّ ثمانين.
وذكره النيسابوري في تفسيره (١) في سورة النور عند قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) (٢).
قال الأميني : أنا لا أدري لأيّ المصيبتين أنحب؟ أبقصور الخليفة عن حكم المسألة؟ أم بقصر المعلّمين له عن حقيقته؟ وكلّ يفوه برأي ضئيل ، والأفظع جري العمل على ما قالوه.
أمّا الحدّ فليس إلاّ بالقذف البيّن وهو المستفاد من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ...) ، وعلى هذا كان عمل الصحابة والتابعين لهم بإحسان كما قال القاسم ابن محمد : ما كنّا نرى الجلد إلاّ في القذف البيّن والنفي البيّن (٣). وأمّا قول ـ ليس أبي بزانٍ ـ فنناقش أوّلاً في كونه تعريضاً ؛ إذ لعلّه يريد طهارة منبته التي تزعه عن النزول إلى الدنايا من بذاءة في القول ، أو خسّةٍ في الطبع ، أو حزازة في العمل ، فمن الممكن أنّه لا يريد إلاّ هذا فحسب ، وهو الذي فهمه فريق من الصحابة فقالوا : إنّه مدح أباه. وإن لم يجدوا لما أبدوه أُذناً واعية ، وعلى فرض كونه تعريضاً فإنّما يوجب الحدّ إذا كانت
__________________
(١) تفسير النيسابوري : ٥ / ١٥٣.
(٢) النور : ٤.
(٣) السنن الكبرى للبيهقي : ٨ / ٢٥٢. (المؤلف)