ابن الحدثان على ابن عبّاس بعد ما ذهب بصره فتذاكرنا فرائض الميراث ، فقال : ترون الذي أحصى رمل عالج عدداً لم يُحصِ في مال نصفاً ونصفاً وثلثاً إذا ذهب نصف ونصف فأين موضع الثلث؟ فقال له زفر : يا ابن عبّاس من أوّل من أعالَ الفرائض؟ قال : عمر بن الخطّاب رضى الله عنه. قال : ولِمَ؟ قال : لمّا تدافعت عليه وركب بعضها بعضاً ، قال : والله ما أدري كيف أصنع بكم؟ والله ما أدري أيّكم قدّم الله ولا أيّكم أخّر. قال : وما أجد في هذا المال شيئاً أحسن من أن أُقسمه عليكم بالحصص. ثمّ قال ابن عبّاس : وايم الله لو قدّم من قدّم الله ، وأخّر من أخّر الله ما عالت فريضة. فقال له زفر : وأيّهم قدّم وأيّهم أخّر؟ فقال : كلّ فريضة لا تزول إلاّ إلى فريضة فتلك التي قدّم الله ، وتلك فريضة الزوج له النصف ، فإن زال فإلى الربع لا ينقص منه ، والمرأة لها الربع ، فإن زالت عنه صارت إلى الثمن لا تنقص منه ، والأخوات لهنّ الثلثان والواحدة لها النصف ، فإن دخل عليهنّ البنات كان لهنّ ما بقي فهؤلاء الذين أخّر الله ، فلو أعطى من قدّم الله فريضته كاملة ثمّ قسّم ما يبقى بين من أخّر الله بالحصص ما عالت فريضة. فقال له زفر : فما منعك أن تشير بهذا الرأي على عمر؟ فقال : هبته والله (١).
وفي أوائل السيوطي وتاريخه (٢) (ص ٩٣) ، ومحاضرة السكتواري (ص ١٥٢) : إنّ عمر أوّل من قال بالعول في الفرائض.
قال الأميني : ما عساني أن أقول بعد قول الخليفة : والله ما أدري كيف أصنع بكم ، والله ما أدري أيّكم قدّم الله ولا أيّكم أخّر؟ أو بعد قول ابن عبّاس : وايم الله لو قدّم من قدّم الله وأخّر من أخّر الله ما عالت فريضة.
كيف لم يتزحزح الرجل عن القضاء في الفرائض والحال هذه ويحكم بالرأي؟
__________________
(١) أحكام القرآن للجصّاص : ٢ / ١٠٩ [٢ / ٩٠] ، مستدرك الحاكم : ٤ / ٣٤٠ [٤ / ٣٧٨ ح ٧٩٨٥] وصحّحه ، والسنن الكبرى : ٦ / ٢٥٣ ، كنز العمّال : ٦ / ٧ [١١ / ٢٧ ح ٣٠٤٨٩]. (المؤلف)
(٢) تاريخ الخلفاء : ص ١٢٨.