وهو القائل في خطبة له : ألا إنّ أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فأفتوا برأيهم فضلّوا وأضلّوا ، ألا وإنّا نقتدي ولا نبتدي ، ونتّبع ولا نبتدع ، ما نضلّ ما تمسّكنا بالأثر (١).
أهكذا الاقتداء والاتّباع؟ أم هذه هي الابتداء والابتداع؟!
وكيف يسوغ لمثل الخليفة أن يجهل الفرائض وهو القائل : ليس جهل أبغض إلى الله ولا أعمّ ضرّا من جهل إمام وخرقه (٢)؟!
وكيف يشغل منصّة القضاء قبل أن يتفقّه في دين الله وهو القائل : تفقّهوا قبل أن تسودوا (٣)؟!
ـ ٨٥ ـ
اجتهاد عمر في تشطير أموال عمّاله
وهو أوّل من قاسم العمّال وشاطرهم أموالهم (٤) :
١ ـ عن أبي هريرة ، قال : استعملني عمر بن الخطّاب رضى الله عنه على البحرين فاجتمعت لي اثنا عشر ألفاً ، فلمّا عزلني وقدمت على عمر قال لي : يا عدوّ الله وعدوّ المسلمين ـ أو قال : وعدوّ كتابه ـ سرقت مال الله؟ قال : قلت : لست بعدوّ لله ولا للمسلمين ـ أو قال : لكتابه ـ ولكنّي عدوّ من عاداهما ، ولكنّ خيلاً تناتجت وسهاماً اجتمعت. قال : فأخذ منّي اثني عشر ألفاً ، فلمّا صلّيت الغداة قلت : اللهمّ اغفر لعمر. حتى إذا كان بعد ذلك. قال : ألا تعمل يا أبا هريرة؟ قلت : لا. قال : ولِمَ؟ قد عمل من هو خير منك يوسف ، قال : اجعلني على خزائن الأرض. فقلت : يوسف نبيّ ابن نبي
__________________
(١) سيرة عمر لابن الجوزي : ص ١٠٧ [ص ١١٦]. (المؤلف)
(٢) سيرة عمر لابن الجوزي : ص ١٠٠ ، ١٠٢ ، ١٦١ [ص ١٠٨ ، ١١١ ، ١٦٦]. (المؤلف)
(٣) صحيح البخاري ـ باب الاغتباط في العلم : ١ / ٣٨ [١ / ٣٩ باب ١٥]. (المؤلف)
(٤) شرح ابن أبي الحديد : ٣ / ١١٣ [١٢ / ٧٥ الخطبة ٢٢٣]. (المؤلف)