العظماء في الملأ الديني وصغّرهم في أعين الناس؟ وهل كان أبو هريرة وأبو موسى الأشعري من أُولئك الوضّاعين حتى استحقّا بذلك التعزير والنهر والحبس والوعيد؟ أنا لا أدري.
نعم ؛ هذه الآراء كلّها أحداث السياسة الوقتيّة سدّت على الأُمّة أبواب العلم ، وأوقعتها في هوّة الجهل ومعترك الأهواء وإن لم يقصدها الخليفة ، لكنّه تترّس بها يوم ذاك ، وكافح عن نفسه قحم المعضلات ، ونجا بها عن عويصات المسائل.
وبعد نهي الأُمّة المسلمة عن علم القرآن ، وإبعادها عمّا في كتابها من المعاني الفخمة والدروس العالية من ناحية العلم والأدب والدين والاجتماع والسياسة والأخلاق والتاريخ ، وسدّ باب التعلّم والأخذ بالأحكام والطقوس ما لم يتحقّق ويقع موضوعها ، والتجافي عن التهيّؤ للعمل بدين الله قبل وقوع الواقعة ، ومنعها عن معالم السنّة الشريفة والحجز عن نشرها في الملأ ، فبأيّ علم ناجع ، وبأيّ حُكم وحِكَم تترفّع وتتقدّم الأُمّة المسكينة على الأُمم؟ وبأيّ كتاب وبأيّة سنّة تتأتّى لها سيادة العالم التي أسّسها لها صاحب الرسالة الخاتمة؟ فسيرة الخليفة هذه ضربة قاضية على الإسلام وعلى أُمّته وتعاليمها وشرفها وتقدّمها وتعاليها علم بها هو أو لم يعلم ، ومن ولائد تلك السيرة الممقوتة حديث كتابة السنن ، ألا وهو :
ـ ٩٣ ـ
حديث كتابة السنن
عن عروة : أنّ عمر بن الخطّاب أراد أن يكتب السنن ، فاستفتى أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك ، فأشاروا عليه أن يكتبها ، فطفق عمر يستخير الله فيها شهراً ، ثمّ أصبح يوماً وقد عزم الله له فقال : إنّي كنت أُريد أن أكتب السنن ، وإنّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله ، وإنّي والله لا أشوب