فرأيت أنَّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهباً ، حتى مضى الأوّل لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطّاب بعده.
ثمّ تمثّل بقول الأعشى :
شتّان ما يومي على كورها |
|
ويوم حيّان أخي جابر |
فيا عجباً يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشدّ ما تشطّرا ضرعيها ، فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ، ويخشن مسُّها ، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحّم ، فمُني الناس ـ لعمر الله ـ بخبط وشماس ، وتلوّن واعتراض ، فصبرت على طول المدّة ، وشدّة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم فيا لله وللشورى ، متى اعترض الريب فيَّ مع الأوّل منهم حتى صرت أُقرن إلى هذه النظائر ، لكنِّي أسففت إذا سفّوا ، وطرت إذا طاروا ، فصغا رجلٌ منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره مع هنٍ وهنٍ ، إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته». الحديث.
كلمتنا حول هذه الخطبة :
هذه الخطبة تسمّى بالشقشقيّة ، وقد كثر الكلام حولها فأثبتها مَهرَة الفنِّ من الفريقين ورأوها من خطب مولانا أمير المؤمنين الثابتة التي لا مغمز فيها ، فلا يُسمع إذن قول الجاهل بأنَّها من كلام الشريف الرضي ، وقد رواها غير واحد في القرون الأولى قبل أن تنعقد للرضي نطفته ، كما جاءت بإسناد معاصريه والمتأخِّرين عنه من غير طريقه ، وإليك أمّة من أولئك :