منه بالخلافة ، ولما قدّمه على نفسه ، ولما ترك الاحتجاج بها يوم كانت حاجته إليه مسيسة ، ويوم كان الحوار في أمر الخلافة قائماً على قدمٍ وساق ، وطفق كلُّ ذي فضل يُدلي بحججه ، وقد احتدم الجدال حتى كاد أن يكون جلاداً ، واستحرَّ الحجاج حتى عاد لجاجاً ، لكن الرجل لم يكن عنده حجّة ولا لزبانيته إلاّ أنَّه صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وثاني اثنين إذ هما في الغار ، وأنَّه أكبر القوم سنّا ـ وكان أبوه أكبر منه لا محالة ـ وقد اختارته الجماعة وانعقدت له البيعة بعد هوس وهياج ركوناً إلى أمثال هذه ممّا لا تثبت بها حجّة ، ولا يخضع لها ذو مسكة ، ولا يصلح بها شأن الأمّة ، ولا يجمع بها شمل ، ولا يتمُّ بها الأمر.
نعم ؛ روي عن أبي بكر أنَّه ذكر في الحجاج له أشياء حذفتها الرواة ولم يذكروا منها إلاّ أنَّه أوّل من أسلم. أو : أوّل من صلّى. عن أبي سعيد الخدري قال : قال أبو بكر : ألست أحقّ الناس بها؟ ألست أوّل من أسلم؟ ألست صاحب كذا؟ ألست صاحب كذا؟ (١)
وعن أبي نضرة (٢) قال : لمّا أبطأ الناس عن أبي بكر قال : من أحقّ بهذا الأمر منِّي؟ ألست أوّل من صلّى؟ ألست؟ ألست؟ ألست؟ فذكر خصالاً فعلها مع النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣).
__________________
(١) أخرجه الترمذي [ في السنن : ٥ / ٥٧١ رقم ٣٦٦٧ ] ، والبزّار ، وابن حبّان [ في الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان : ١٥ / ٢٧٩ ح ٦٨٦٣ ] ، وأبو نعيم في المعرفة [ معرفة الصحابة : ١ / ١٥٩ ] ، وابن مندة في غرائب شعبة ، وسعيد بن منصور ، وأبو داود كما في كنز العمّال : ٣ / ١٢٥ [ ٥ / ٥٨٥ ح ١٤٠٤١ ] ، وذكره ابن الأثير في أُسد الغابة : ٣ / ٢٠٩ [ ٣ / ٣١٤ رقم ٣٠٦٤ ] ، وابن كثير في تأريخه : ٣ / ٢٧ [ ٣ / ٣٧ ]. (المؤلف)
(٢) في كنز العمّال : أبي بصرة.
(٣) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى طبع ليدن : ٣ / ١٢٩ [ ٣ / ١٨٢ ] ، وخيثمة الطرابلسي في فضائل الصحابة كما في كنز العمّال : ٣ / ١٢٦ [ ٥ / ٥٩٠ ح ١٤٠٥١ ]. (المؤلف)