الخليفة في الإسلام :
وأمّا هو ـ أبو بكر ـ في الإسلام فلم نعهد له نبوغاً في علم ، أو تقدّماً في جهاد ، أو تبرّزاً في الأخلاق ، أو تهالكاً في العبادة ، أو ثباتاً على مبدأ.
أمّا نبوغه في علم التفسير فلم يؤثر عنه في هذا العلم شيء يُحفل به ، فدونك كتب التفسير والحديث فلا تكاد تجد فيها عنه ما يُروي غُلّة صادٍ ، أو يُنجع طلبة طالب.
نعم ؛ يروى عنه أنَّه شارك صاحبه ـ عمر بن الخطّاب ـ في عدم المعرفة لمعنى الأبّ (١) الذي عرفه كلّ عربيّ صميم حتى أعراب البادية ، وليس من البدع أن يعرفه حتى الساقة من الناس ؛ فإنّه لا يعدوه أن يكون لدة بقيّة الكلمات العربيّة التي لا تزال العرب تلهج بها في كلّ حلّ ومرتحل ، ولا هو الدخيل (٢) حتى يُعذر فيه الجاهل به ، ولا من شواذّ الكلم التي قلّما تتعاطاه الجامعة العربيّة حتى يشذّ عرفانه عن بعضهم.
وإن تعجب فعجب اعتذار من جنح إليه (٣) بأنّه كان يلتزم الحائطة في تفسير القرآن ، ولذلك تورّع عن الإفاضة في معنى الأبّ ، لكن عرف من عرف أنّ الحائطة إنّما تجب في بيان مغازي القرآن الكريم وتعيين إرادته ، وتبيين مجمله ، وتأويل
__________________
(١) في قوله تعالى في سورة عبس : (فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَعِنَباً وَقَضْباً* وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً* وَحَدائِقَ غُلْباً* وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (المؤلف)
(٢) أما ما زعمه ابن حجر في فتح الباري [ ١٣ / ٢٧١ ] من أنّ الكلمة من الدخيل ولذلك لم يعرفها الخليفتان ؛ فقد مرّ الجواب عنه في الجزء السادس : ص ١٠٠. (المؤلف)
(٣) نظراء القرطبي [ في الجامع لأحكام القرآن : ١ / ٢٧ و ١٩ / ١٤٥ ] ، والسيوطي [ في الدرّ المنثور : ٨ / ٤٢١ ]. (المؤلف)