كان لرأي الخليفة قيمة وكرامة لأباحه أحد منهم ، وفاهَ به عندما خالف عليّ وزيد عمر بن الخطّاب ونهياه عن إعمال هذا الرأي.
بل فيما رواه الدارمي عن الحسن من أنّ الجدّ قد مضت سنّته ، وأنّ أبا بكر جعل الجدّ أباً ، ولكن الناس تخيّروا (١). إيعاز إلى أنّ السنّة في الجدّ ماضية ثابتة وقد خالفها الخليفة ، وتخيّر الناس فخالفوه وعملوا بالسنّة الشريفة.
ـ ٥ ـ
رأي الخليفة في تولية المفضول
قال الحلبي في السيرة النبويّة (٢) (٣ / ٣٨٦) : إنّ أبا بكر رضى الله عنه كان يرى جواز تولية المفضول على من هو أفضل منه ، وهو الحقّ عند أهل السنّة لأنّه قد يكون أقدر من الأفضل على القيام بمصالح الدين ، وأعرف بتدبير الأمر ، وما فيه انتظام حال الرعيّة.
أجاب الحلبي بهذا عن تقديم أبي بكر عمر بن الخطّاب وأبا عبيدة الجرّاح على نفسه في الخلافة وقوله : بايعوا أيّ الرجلين إن شئتم.
وقال الباقلانيّ في التمهيد (ص ١٩٥) عند الجواب عن قول أبي بكر : وليتكم ولست بخيركم : يمكن أن يكون قد اعتقد أنّ في الأمّة أفضل منه إلاّ أنّ الكلمة عليه أجمع والأمّة بنظره أصلح ، لكي يدلّهم على جواز إمامة المفضول عند عارض يمنع من نصب الفاضل ، ولهذا قال للأنصار وغيرهم : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أحدهما : عمر بن الخطّاب وأبا عبيدة الجرّاح ، وهو يعلم أنّ أبا عبيدة دونه ودون عثمان وعليّ في الفضل ، غير أنّه قد رأى أنّ الكلمة تجتمع عليه ، وتنحسم الفتنة بنظره. وهذا أيضاً ممّا لا جواب لهم عنه.
__________________
(١) سنن الدارمي : ٢ / ٣٥٣. (المؤلف)
(٢) السيرة الحلبيّة : ٣ / ٣٥٨.