هتف صلىاللهعليهوآلهوسلم بهاتيك الكلم الجامعة المعربة عن الخلافة بكلّ ما يمكن من التعبير؟ أم أنّ في القوم من تصامم عنها لأمر دُبّر بليل؟
أوَلم يكفِ الخليفة أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا عرض نفسه على القبائل وكان معه عليّ أمير المؤمنين ومعهما أبو بكر وبلغ بني عامر بن صعصعة ودعاهم إلى الله فقال له قائلهم : أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثمّ أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال : «إنّ الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء» (١)؟
أفكان يزعم الخليفة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي أناط الأمر بعده إلى المولى سبحانه ومشيئته كان لو سأله عن ذلك أجابه بالترديد بين اختيار الأمّة ولو لم تكتمل فيه شرائط الإجماع والانتخاب الصحيح كما في البيعة الأولى ، وبين وصيّة الخليفة واستخلافه كما وقع في أمر الثاني ، وبين الشورى مع إرهاب المخالف بالقتل كما كان في منتهى الثلاثة؟
لكنّه لو كان يحسب ذلك لما ودّ أن لو كان سأله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكان يعلم أيضاً أنّ الترديدفي الجواب على فرضه إغراء للأمّة بالفوضى ، وفي ذلك مسرح لكل مدّع محقّ أو مبطل ، ولاحتجّ به كلّ ناعب وناعق حتى تنتهي النوبة إلى الطلقاء وأبناء الطلقاء أمثال معاوية ويزيد وهلمّ جرّا.
تحفّظ على كرامة :
حذف أبو عبيد من الحديث ذكر الأمر الأوّل من الثلاثة الأُوَل وهو : كشف بيت فاطمة ، وجعل مكانه قوله : فوددت أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا ـ لخلّة ذكرها ـ فقال : لا أريد أذكرها. وما حرّف ما حرّف إلاّ تحفّظاً على كرامة الخليفة ، والأسف على أنّ غيره ما شاركه فيما فعل ، فظهرت خيانته على ودائع التاريخ.
__________________
(١) مرّت مصادره في هذا الجزء : ص ١٣٤. (المؤلف)