مظاهر علم الخليفة :
وأوّل مظهر من مظاهر علم الخليفة عند الباقلانيّ من المتقدّمين كما في تمهيده (ص ١٩١) ، وعند السيّد أحمد زيني دحلان من المتأخّرين كما في سيرته هامش الحلبيّة (١) (٣ / ٣٧٦) هو إعلامه الناس بموت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحجاجه عمر بن الخطّاب بقول العزيز الحكيم (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (٢).
ما أذهل الرجلين عن أنّ الأمر لم يعضل على أيّ امرئٍ من الصحابة ، وحاشاهم عن أن يكون هذا مبلغ علمهم ، وقد كان حملة القرآن الكريم بأسرهم على علم من موته صلىاللهعليهوآلهوسلم أخذاً بما أجرى الله بين البشر من الطبيعة المطّردة و (قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) (٣) (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً) (٤) ، (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٥) ، وتمسّكاً بالقرآن العظيم ، ونصوصه صلىاللهعليهوآلهوسلم الكثيرة عليه في مواقف لا تحصى ، أحفلها حجّة الوداع ومن هنا سُمّيت تلك الحجّة بحجّة الوداع.
ولم يكن إنكار عمر موته صلىاللهعليهوآلهوسلم لجهله بذلك ، وقد قرأ عمرو بن زائدة عليه وعلى الصحابة في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الآية المذكورة قبل تلاوة أبي بكر إيّاها وأشفعها بقوله تعالى (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (٦) فضرب الرجل عنها وعن قارئها صفحاً ، وعمرو بن زائدة صحابيّ عظيم استخلفه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على المدينة ثلاث
__________________
(١) السيرة النبويّة : ٢ / ٣٠٦.
(٢) آل عمران : ١٤٤.
(٣) الأنعام : ٢.
(٤) آل عمران : ١٤٥.
(٥) يونس : ٤٩.
(٦) راجع تاريخ ابن كثير : ٥ / ٢٤٣ [ ٥ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣ حوادث سنة ١١ ه ] ، شرح المواهب للزرقاني : ٨ / ٢٨١ والآية : ٣٠ من سورة الزمر. (المؤلف)