فأتيت أبا بكر رضى الله عنه فقلت : يا أبا بكر : أليس هذا نبيّ الله حقّا؟ قال : بلى. قلت : ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال : بلى. قلت : فلِمَ نعطي الدنيّة في ديننا إذاً؟ فقال : أيّها الرجل إنّه لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولن يعصي ربّه وهو ناصره ، فاستمسك بغرزه ، فو الله إنّه على الحقّ. فقلت : أليس كان يحدّثنا أنّا سنأتي البيت ونطَّوَّف به؟ قال : بلى ، أفأخبرك أنّك تأتيه العام؟ قلت : لا. قال : فإنّك آتيه ومطّوِّف به.
قال الأميني : هل في هذه الرواية غير أنّ أبا بكر كان مؤمناً بنبوّة رسول الله ، وبطبع الحال أنّ كلّ من اعتنق هذا المبدأ يرى أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يعصي ربّه وهو ناصره ، وأنّ كلّ ميعاد جاء به لا بدّ وأن يقع في الأجل المضروب له إن كان موقّتاً وإلاّ فهو يقع لا محالة في ظرفه الخاصّ به ، فلا يخالجه شكّ إذا لم يعجّل.
هذه غاية ما يوصف به أبو بكر بهذا الحديث ، وهو معنى يشترك فيه جميع المسلمين ، وليس من خاصّته ، فأيّ دلالة فيه على كون أبي بكر أعلم الصحابة على الإطلاق؟ ولو كان عمر يسأل أيّ صحابيّ بسؤاله هذا لما سمع إلاّ لِدة ما أجاب به أبو بكر ومثل ما أجاب به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكذلك المسلمون كلّهم إلى منصرم الدنيا ، فإنّك لا تجد عند أحدهم ضميراً غير هذا ، وإذا فاتحته بالكلام عن مثله فلا تسمع جواباً غيره ، فهل فاتح عمر به غير أبي بكر أحداً من الصحابة وسمع جواباً غير ما أجاب به حتى يُستدلّ به على أعلميّته على الإطلاق أو على التقييد؟
وهل كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في صدد بيان غامض من علومه لمّا أجاب عمر ، حتى يكون إذا وافقه أبو بكر في الجواب يصبح به أعلم الصحابة على الإطلاق؟
وابن حجر يعلم ذلك كلّه ، ولذلك تعمّد إسقاط لفظ الرواية ، وقال في الصواعق (١) (ص ١٩) : هو ـ أبو بكر ـ من أكابر المجتهدين بل هو أعلم الصحابة على
__________________
(١) الصواعق المحرقة : ص ٣٣.