مستقبلاً لها بوجهه والمسلمون صموت حوله كأنّما على رءوسهم الطبر ، حتى ثارت الغبرة ، وسمعوا التكبير من تحتها فعلموا أنّ عليّا قتل عمراً. فكبّر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكبّر المسلمون تكبيرة سمعها مَنْ وراء الخندق من عساكر المشركين. ولذلك قال حذيفة بن اليمان : لو قُسمت فضيلة عليّ بقتل عمرو يوم الخندق بين المسلمين بأجمعهم لوسعتهم. وقال ابن عبّاس في قوله تعالى : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) (١) ؛ قال : بعليّ بن أبي طالب. انتهى.
الغريق يتشبّث بكلّ حشيش :
أعيت القوم شجاعة الخليفة ، وأضلّتهم عن المذاهب ، وجعلتهم في الرُّونة (٢) ، وأركبتهم على الزحلوقة تسفّ بهم تارةً وتُعلّيهم أُخرى ، فلم يجدوا مهيعاً يوصلهم إلى ما يرومون من إثباتها له مهما وجدوا غضون التاريخ خاليةً عن كلّ عين وأثر يسعهم الركون إليه في الحجاج لها ، فتشبّثوا بالتفلسف فيها ، فهذا يبني فلسفة العريش ، والآخر ينسج نسج العناكيب ويعدّ ثباته في موت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعدم تضعضعه في تلك الهائلة دليلاً على كمال شجاعته. قال القرطبي في تفسيره (٣) (٤ / ٢٢٢) في سورة آل عمران : ١٤٤ عند قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) : هذه الآية أدلّ دليل على شجاعة الصدّيق وجرأته ، فإنّ الشجاعة والجرأة حدّهما ثبوت القلب عند حلول المصائب ، ولا مصيبة أعظم من موت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فظهرت عنده شجاعته وعلمه. وقال الناس : لم يمت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، منهم عمر ، وخرس عثمان ، واستخفى عليّ ، واضطرب الأمر فكشفه الصدّيق بهذه الآية حين
__________________
(١) الأحزاب : ٢٥.
(٢) الرُّونة : الشدة.
(٣) الجامع لأحكام القرآن : ٤ / ١٤٣.