قال الأميني : لما ذا تلك الوحشة؟ ولما ذا ذلك الأُنس؟ وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم في ساحة القدس الربوبيّ ، وكان لا يأنس إلاّ بالله ، وكانت نفسه القدسيّة في كلّ آنائه منعطفة إليها ، فهل هو يستوحش إذا حصل فيها؟ وهي أزلف مباءة إلى المولى سبحانه لا تقلّ غيره. حتى أنّ جبرئيل الأمين انكفأ (١) عنها فقال : إن تجاوزت احترقت بالنار. لمّا جذبه الله تعالى إليها وحفّته قداسة إلهية تركته مستعدّا لتلقّي الفيض الأقدس ، وهل هناك وحشة لمثله صلىاللهعليهوآلهوسلم يسكّنها صوت أبي بكر؟! وهل كانت له صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو في مقام الفناء لفتة إلى غيره جلّت عظمته حتى يأنس بصوته؟ لاها الله ، وما كان قلب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يقلّ غيره سبحانه فهو مستأنس به ومطمئنّ بآلائه ، فلا مدخل فيه لأيّ أحد يطمئنّ به ، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، ولقد رآه بالأُفق المبين ، فأوحى إلى عبده ما أوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ، أفتمارونه على ما يرى؟ ولقد رآه نزلةً أُخرى عند سدرة المنتهى ، ما زاغ البصر وما طغى ، لقد رأى من آيات ربّه الكبرى ، ولم تبرح نفسه الكريمة مطمئنّة ببارئها حتى خوطب بقوله سبحانه : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) (٢)
هذا مبلغ الرواية من نفس الأمر لكن الغلوّ في الفضائل آثر أن يعدّوها من فضائل الخليفة وإن كانت مقطوعةً عن الإسناد.
ـ ١٩ ـ
الدين وسمعه وبصره
عن حذيفة بن اليمان ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : لقد هممت أن أبعث إلى الآفاق رجالاً يُعلّمون الناس السنن والفرائض كما بعث عيسى بن مريم الحواريّين. قيل له : فأين أنت عن أبي بكر وعمر؟ قال : إنّه لا غنى بي عنهما إنّهما من
__________________
(١) الكامل : ٢ / ٢١ [ ١ / ٤٨٢ ] ، السيرة الحلبية : ١ / ٤٣١ [ ١ / ٣٧٣ ]. (المؤلف)
(٢) الفجر : ٢٧ ، ٢٨.