مرّة بعد أُخرى ، وكان ينتهز الفرص أيّام إقامته تلك في مكة ويستفيد من نمير علمه ، ويأخذ منه معالم دينه ، وكان حقّا عليه أن يزوره في حجّة الوداع ، ولو كان له إسلام لكان يروي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ولو حديثاً واحداً ، أو كان يروي عن أصحابه ولو عن واحد منهم ، ولو كان قد أسلم لكان تُنقل عنه كلمة في الإسلام ، أو قول في الذبّ عنه ، أو حرف واحد في الدعوة إليه أو كان له في التاريخ ذكر عن أيّام إسلامه ، ونبأ عن آثار إيمانه بالله وبرسوله ، ولا أقلّ من روايته هو لحديث إسلامه.
ثمّ إن صحّ الخبر وقد أكرمه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : هلاّ تركت الشيخ في بيته. إلى آخر. وكان ذلك ـ كما مرّ ـ تكرمةً لأبي بكر فما بال الصحابة تردّ شفاعة مثل هذا الرجل العظيم؟ الذي عظّمه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بتلك الكلمة القيّمة التي لم تُؤثر عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم في أحد من الصحابة حتى في أعمامه صلىاللهعليهوآلهوسلم وفيهم العبّاس الذي يستسقى به الغمام ، وهم يسمعونها منه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ما بالهم يصفحون عن شفاعته في والده بإعادة الطوق إليه وهو شيخ كبير حديث العهد بالإسلام حريّ بأن يُكرَم؟ وما بال أبي بكر الذي أنفق جلّ ماله لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على زعم القوم يأخذ بيد أُخته ويأتي بها إلى مجتمع الثويلة (١) وينشد الحضور بالله وبالإسلام ويسألهم ردّ طوقها إليها؟ وما الطوق وما قيمته والصحابة لم تقبل فيه شفاعة شيخهم يوم ذاك وخليفتهم في الغد؟ وكيف يستعظم أبو بكر أمر الطوق ويأمر أُخته بالاحتساب ويرى الأمانة قليلة في الصحابة يوم ذاك مع حضور نبيّهم فيهم؟ فما كان محلّهم من الأمانة بعد يومهم ذاك بثلاث سنين وقد ارتحل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من بين ظهرانيهم؟ وكيف صاروا بعد فقدهم نبيّهم عدولاً؟ أنا لا أدري!
إسلام أمّ أبي بكر :
ليس إسلام أمّ الخير أُمّ أبي بكر إلاّ كإسلام أبيه أبي قحافة ، لا يُدعم بدليل ولا تقوّمه البرهنة.
__________________
(١) الثويلة من الناس : الجماعة تجيء من كلّ وجه. يقال : انثال عليه الناس أي انصبّوا عليه من كلّ جانب.